رمضان الحزين

وعد حسون نصر:

رمضان الحزين هجر الهلال سماءه واتشحت بالسواد، أهله متفرقون ببلاد الاغتراب يجتمع شملهم عبر شاشة الجوال لبضع دقائق بعد الإفطار ثمّ يعود كلٌّ منهم لمكانه، مائدته مُزينة بصنف واحد لم تعد تتنوع فيها الأصناف، فلا تمور تُحلّي فمنا بعد ذكر الله في الآذان مع كأس الماء ولا العصائر من عرق السوس للجلاب والتمر الهندي تبلُّ خبزنا على طاولة الفطور. حتى الحلوى بطقوسها الرمضانية والتي تشعر أنها صُنعت لتزيين سفرة رمضان غدت اليوم حلم الكبير والصغير (من المعروك، للنهش، للقطايف، لقمر الدين، حتى الناعم خبز الفقير في رمضان أضحى حلماً) بابنا لم يعد يفتح لاستقبال صحون الطعام المقدمة على الإفطار من الجيران.

حتى ضجيج المدينة لم يعد يهدأ ساعة الافطار وكأنه يوم عادي، الجميع يستمر في عمله والضجيج يزداد فأين سكينة ساعة الفطور لحين صلاة التراويح!؟  كتاب الروايات غفا على رفِّ مكتبة الحكواتي، وقهوة الحي أغلقت أبوابها فلم يعد رجالها يشجعون عنترة ولا يهللون للزير أبو ليلى، ولا بنت السلطان بطوقها الزمرد زار أحلام اليافعين بعد أن ينهي الحكواتي جزءاً من الرواية تاركاً التشويق لليوم التالي! لكن، ربما نجد هذا الآن في مقاهي الأثرياء الذين لا يعلمون أساساً شيئاً عن عنترة ولا عن بنت السلطان التي سرقوها من أحلامنا الفقيرة وزيّنت فيها ساعة ليحلو طقسٌ من تراث لا يعلمون عنه شيئاً سوى في شهر الصوم. طبلة المسحراتي تحولت لنغمة جوال نصحو عليها فلم تعد حنيّة الصوت تؤثّر على مشاعرنا مع نداء (يا صايم وحّد الدايم)، و(قوموا لسحوركم جاي النبي يزوركم).. وربما عند البعض بات النوم أفضل من الصلاة!

رمضان في عيون أهل الشام دون الجميع مختلف بطقوسه وعاداته، بكرمه وسماحة أهله ننتظره من عام لعام لنعيش أدق تفاصيله رغم عدم اقتناع البعض بما يخص الأمور الدينية، إلاّ أن رمضان لا يمكن أن يختلف أحد على محبته وخاصة في الشام. مقولات وطقوس وعادات (أول عشرة أيام منبيّضها، كناية عن الطبخ بمكونات اللبن. والعشر الثاني منحلّي، كناية عن صناعة الحلو والمعمول، والعشر الثالث لنزيّن عروقنا، أي لشراء الملابس وثياب العيد للأولاد والمحبين). وعبارات بصوت الأبوين: (أبقوا ضوء باب الزقاق شاعل يا ولاد كرمال وقت السحور حتى الناس تشوف درب طريقها). كل هذه العادات باتت غائبة وبتنا نحن أغراباً في الشام وكأن غرباناً سكنت سماءنا فحجبت هلالنا عنّا وفرقت بينه وبين نجمته، بردت الجدران وحزنت مآذن الجوامع، واشتاقت القبور لباقات الزهر وغصن الآس! أصبحت أيامنا تشبه بعضها البعض، لا يوم للصوم ولا آخر للعيد، وإن اجتمعنا كانت جمعتنا للحزن نواسي بعضنا وأنفسنا لفقدان غائب ببلاد الاغتراب، وآخر لا نعلم أين مثواه الأخير لنضع عليه باقة الورد في صباح العيد! ضاعت طقوسنا مثلما ضاعت أحلامنا هنا وفي المغترب، سوريون هجر الهلال ليالينا الرمضانية فشربنا مرّها بدل عرق سوسها.

العدد 1104 - 24/4/2024