دراما مسمومة على موائد رمضان (1) | الدراما وتأثيرها على المجتمع

 سليمان أمين:

جرعات السّم القاتلة التي أنتجتها شركات الإنتاج في دراما الموسم الرمضاني لهذا العام تجاوزت كل حدود الواقع الاجتماعي والحفاظ على ما تبقى من نسيج اجتماعي في مجتمعنا السوري، وليس غريباً أن نعيش اليوم حرباً من نوع آخر للقضاء على آخر ما تبقى من قيم إنسانية اجتماعية نحتفظ بها ونحاول إنعاشها، فمن المعلوم أن للدراما تأثيراً قوياً وكبيراً على المجتمع، كحال الإعلام في تشكيل الرأي العام وتعبئة الجماهير وخلق حالات اجتماعية وفق توجهات محددة، وما نراه هذا العام من أعمال درامية تحمل في طياتها العنف والقتل والدعارة وغيرها الكثير من القذارة اللاإنسانية التي لا تتناسب مع بيئتنا الاجتماعية وعاداتنا وتقاليدنا، لم يأتِ هذا الفكر القذر الهدام من عبث، بل هناك جهات تموله من أجل أهداف باتت واضحة، وهي التـأثير والسيطرة على أدمغة الجيل الذي تتراوح أعماره بين 12 و 25 سنة، وهو الجيل الأكثر متابعة اليوم للدراما ووسائل التواصل الاجتماعي أو ما يسمّى (الترند).

تلعب الدراما دوراً هاماً ومؤثراً في المجتمع بعدة طرق:

1- توعية المجتمع: يمكن للدراما أن تسلط الضوء على قضايا اجتماعية مهمة مثل العنف الأسري، والتمييز، والعدالة الاجتماعية، وتوعية الناس حولها وتعزيز فهمهم لهذه القضايا وتحفيزهم على تغييرها.

2- تعزيز التغيير الاجتماعي: يمكن للدراما أن تحفز المجتمع على التغيير والتحسين من خلال تقديم قصص وشخصيات تلهم الناس وتظهر لهم أن التغيير ممكن وضروري.

3- إلقاء الضوء على الثقافة والتراث: يمكن للدراما أن تسلط الضوء على الثقافة والتراث المحلي وتعزز الفخر بها والحفاظ عليها من خلال تقديم قصص تعكس هوية المجتمع وتاريخه.

4- الهروب والترفيه: يمكن للدراما أن تعمل منفذاً للهروب من الحياة اليومية وتوفير الترفيه والإلهام للناس، وهذا يسهم في تحسين حالة المجتمع ورفع معنويات الناس، ولكن هذا لم يعد حاضراً اليوم في درامانا بل بات العكس تماماً. فإذا عدنا لما قبل عام 2010 كان لدينا نوع من الدراما اللطيفة الخفيفة ذات التأثير الإيجابي على نفس من يشاهدها.

للدراما تأثير إيجابي كبير على المجتمع عندما يتم استخدامها وتوظيفها بشكل جيد وذكي. ومع ذلك، يجب أن نتذكر أنها مجرد تمثيل، وأنه يجب أن تكون هناك حقوق وحريات فردية واحترام لتنوع الرأي في المجتمع، وهذا هو المسؤولية الأخلاقية للمخرجين والمؤلفين غير المدركين اليوم لواجبهم الأخلاقي في بناء المجتمع وتطويره إلى الأفضل لا تهديمه أكثر مما هدمته الحرب.

دراما العنف والجريمة لها تأثير سلبي على المجتمع في العديد من الأشكال وبضمن ذلك:

1- ترويج العنف: تعزز الدراما التي تركز على العنف والجريمة السلوك العنيف وتجعله يبدو مقبولاً أو مشوقاً. وهذا يقلل من قيمة السلم والسلم الاجتماعي في المجتمع، وقد يؤدي إلى تفشي العنف وزيادة معدلات الجريمة أكثر مما هي عليه، وهذا ما نراه اليوم في مسلسلات العنف الموجهة لأدمغة الجيل الجديد الذي يتفنن صانعوها بتدريس أساليب عنف جديدة تتلذذ بها الشخصيات القائمة بها وهي تحقق متعة ولذة لمن يشاهدها. وما نراه اليوم في مسلسلات مثل (أولاد بديعة) على سبيل المثال خرج عن الإطار الدرامي في التفنن بصناعة العنف وإدخاله في عقل من يشاهده.

2- تشويه الصورة الحقيقية: قد يؤدي استخدام الدراما العنف والجريمة لتشويه صورة المجرمين والأحداث الجرمية إلى إنشاء تصور خاطئ للواقع. يمكن أن يؤدي هذا إلى زرع انطباعات خاطئة حول المجتمع، وخاصة إذا كان هناك تمييز عرقي أو اجتماعي مرتبط بهذه الصور السلبية، وهذا ما تطرحه أغلب الأعمال الدرامية هذا العام كمسلسل السراديب (كسر عضم_ الجزء الثاني) الذي يتناول لغة الحقد وإثارة النعرات الطائفية بامتياز، بما يؤدي إلى زرع الفتن في نسيج المجتمع السوري.

3- تعزيز الانتقام والردع: في بعض الحالات، يمكن للدراما العنف والجريمة أن تشجع الأفراد على استخدام العنف والانتقام كوسيلة للتعامل مع الصراعات الشخصية أو الإجرام. هذا قد يؤدي إلى تفشي العنف والاضطرابات داخل المجتمع، وهذا ما سيحدث في القادم إن لم يتم تعزيز الرقابة على الأعمال السورية بشكل صارم ورادع أكثر.

على الرغم من هذه التأثيرات السلبية، يمكن أن تستخدم الدراما العنف والجريمة بشكل مسؤول لشرح آثارهما السلبية وكيفية مناقشة تلك المشكلات وحلّها ضمن إطار مجتمعي وقانوني. يجب أن يكون هناك توازن بين التسلية والتوعية في الدراما لضمان تقديم رسائل إيجابية وإثراء للمجتمع.

(يتبـــع)

العدد 1104 - 24/4/2024