بسبب غلاء المازوت.. المكننة الزراعية تتراجع

السويداء_ معين حمد العمّاطوري:

نتيجة لارتفاع تكاليف الإنتاج وعدم توفر مستلزماته بالشكل المطلوب فقد بدأ الفلاح يعود لاستخدام الأدوات التراثية القديمة له، التي كان يستعملها آباؤه وأجداده، قبل دخول المكننة الزراعية، وهذا مؤشر أن ارتفاع أسعار المحروقات وعدم القدرة على استجرارها وتأمينها للمزارع جعله يفكر جدّياً في البدائل الطبيعية التي يمكن أن تكون أقل تكلفةً وأكثر ريعيةً، رغم التعب والجهد الجسدي الذي سيبذله.

لعل عودة الحراثة على الفدّان في المناطق الريفية في السويداء جاءت نتيجة لارتفاع تكاليف الآلات الزراعية، فلم يبقَ أمام مزارعي السويداء، لاستكمال الدورة الزراعية، بعد الأسعار الباهظة لساعات أعمال الزراعة والفلاحة على الآلات الزراعية (جرّار، عزاقة) سوى العودة إلى المحراث اليدوي القديم.

أعمال الفلاحة على الفدّان عادت من جديد وبقوة، وقد شجّع على عودتها ارتفاع أسعار المحروقات وعدم توفرها بالكميات اللازمة للآلات الزراعية، وخاصة مادة المازوت التي باتت كالذهب، ما جعل أصحاب تلك الآليات يتقاضون أجوراً مرتفعة، بسبب شرائهم المازوت من السوق السوداء بسعر 15 ألف ليرة لليتر الواحد، فارتفعت أجرة ساعة الفلاحة على الجرار الزراعي إلى  175 ألف ليرة، كما بلغت ساعة فلاحة العزاقة  75 ألف ليرة، وبالحساب تصبح أجور فلاحة الفدّان أقل تكلفة، وهي تختلف من منطقة إلى أخرى، فصاحبه يتقاضى يومياً  175 ألف ليرة، والبعض الآخر  200 ألف ليرة، والحرّاث لا ينجز يومياً أكثر من دونمين، لحاجتها إلى الجهد والوقت معاً، بل يمكن أن تكون بعد ارتفاع تكاليف الحياة المعيشية اليومية، فرصة عمل تسد فراغاً كبيراً في تحقيق الحد الأدنى من الأمن الغذائي للمزارع.

بالمقابل ارتفع سعر الرأس من حيوانات المحراث وخاصة من الفصيلة الخيلية، ووصل إلى ما بين 5 ملايين وحتى 8 ملايين ليرة، ويرتبط السعر بنوع الخيل المعدّة للفلاحة طبعاً وعمرها وقوتها البدنية.

السؤال: هل بتنا نترحم على أيامك يا أبو عجلي حقّاً؟! ومن حرص عليه اليوم بات ثروة كبيرة في ظل ارتفاع تكاليف الزراعة والفلاحة على الآلات الزراعية؟

وهل فشلت الإدارات المتعاقبة على القطاع الزراعي والجهات الحكومية في توفير مستلزمات الإنتاج رغم تكاليفها الباهظة، وفي كل فترة تصدر قرارتها الليلية برفع أسعار المحروقات؟!

العودة إلى استخدام الأدوات التراثية القديمة من الفدان والمحراث اليدوي وغيرها، أليس في ذلك مؤشّر على فشل سياسة الحكومة التي لم تستطع مواكبة التقانة العالمية والحضارة؟!

من غير الممكن استخدام تلك الأدوات التقليدية لمساحات واسعة من الأراضي، ونحن في عصر السرعة والإنجاز السريع والذكاء الصنعي.

إن توفير الوقت والجهد، للفلاح، هو نوع من احترام إنسانيته، خاصةً أن هناك مساحات واراضي تحتاج إلى الفلاحة مرّتين، والفدان يصلح للحيازات الصغيرة التي لا تتجاوز مساحتها دونمين، والأراضي الوعرة التي من غير الممكن دخول الآلات الزراعية اليها، وهي لا تلحق أضراراً بالأشجار المثمرة، التي تتعرض جذورها وأغصانها للأذى في حال حراثتها باستخدام الجرار الزراعي.

أم هناك إصرار على تعزيز انتماء الفلاح للأرض، بعد أن تراجعت العلاقة معها نتيجة تخلّيه عن مكوناتها الطبيعية؟!

لقد تشكلت قناعة أن العودة إلى استعمال الفدّان أفضل بكثير من الوقوف على أبواب محطات الوقود، والتعرّض للابتزاز المالي والإداري وانتظار النشرة السعرية لارتفاع أسعار المحروقات دون القدرة على فعل شيء، لعل ذلك يعيد أغاني الحراثة وتراثها ومبدأ التكافل بين أفراد المجتمع.

العدد 1104 - 24/4/2024