قدرٌ محتوم.. لكنّه قابل للتغيير

وعد حسون نصر:

من قال إننا لا نستطيع تغيير أقدارنا، وإننا خُلقنا فقط لنستسلم لما كُتب لنا؟

نعم، نحن محكومون بالقدر على مستوى سنوات عمرنا، إذ لا نستطيع أن نُحدّد السنوات التي يمكن أن نعيشها، ولكن يُمكننا أن نُحدّد كيفية عيشنا، والطريقة التي تناسب حياتنا ومستوانا الاجتماعي والثقافي الذي يلبي طموحاتنا. نعم، نحن لا نستطيع اختيار البيئة التي وُلِدنا فيها، لكن يُمكننا أن نطوّر من ذاتنا لنصنع بيئة تُرضي مُتطلباتنا. كما أننا لا نستطيع أن نُحدّد ديننا، لكن يُمكن لنا أن نتعايش ونحيا ونندمج مع الجميع بسلام، ونختار ما يناسب ابتهالات أرواحنا. القدر يتحكّم بأعمارنا، ببيئتنا وديانتنا ومن هم آباؤنا، لكن لا يمكن أن يتحكّم بطموحاتنا وأحلامنا.

يوُلَدُ الكثيرون منّا لدى أُسَرٍ محدودة الدخل وذات مستوى ثقافي محدود، أو مستوى اجتماعي بسيط. لكن لا يُفترض بنا الاستسلام لما اختاره لنا القدر، بل يُفترض أن نسعى لنُطور ذواتنا وشخصياتنا، وهنا سنصل إلى مستوى أُسري واجتماعي رفيع نستطيع من خلاله التأثير على المحيط والمجتمع، وهذا دليل على أن الطموح يلغي مقولة الأقدار المكتوبة والمحتومة. وهناك الكثير ممّن يجد نفسه مجهول النسب داخل ملجأ لا يعرف أبويه، لكنه لا يستسلم لقدره المجهول، بل يصنع لذاته نسباً وجاهاً ومكانة، كما يجعل من قدره كرة عجين ليّنة بين يديه.. رؤية قد تجعل منك ناسكاً خاشعاً ببيت الله بعد أن كنت تلهو في بيوت السهر، ويمكن أن تجعلك إنساناً فاعلاً يخرج من شرانق اللهو والعبث.

هنا، لا يمكن أن نجعل القدر وحده مُتحكّماً برسم خطوط حياتنا، فنحن من يمتلك الأنامل ومن يدير الأقلام، ولذلك علينا أن نرسم تلك الخطوط بدقة ونوازيها كي لا ترتطم بعضها بالبعض الآخر وتتداخل وتدخلنا بدوّامة نوهم أنفسنا أنه القدر، ونعود مستسلمين لدوامته المزعومة فلا نستطيع الخروج منها أبداً، لأن الحياة مزيجٌ من الأضداد، ولأننا من هذا المزيج علينا أن نتشارك فيه. تارةً نفرح وأخرى نبكي، وبين حينٍ وآخر نخضع لله ونبتهل، ولا ضرر إن رشفنا نبيذ الحب من خوابي العنب المُخمّر، فالربُّ في إنجيله بارك لنا فيه. لنولد في الدنيا أينما شاء الله ولنكن أينما وضعنا القدر، لكن في النهاية علينا أن نتذكّر أننا بشرٌ تميَّزنا بالعقل، فلماذا لا نديره بحكمة تجعلنا نحن صنّاع القدر ونحن من يديره، فإذا كان العقل ميزة البشر، فلنكتب أقدارنا ونُحدّد طموحاتنا ونصنع أمجادنا بأيدينا، ولنترك لله فقط التحكّم بالعمر. هنا نكمل الرواية، خلقنا الله وترك لنا القدر، لكنه لم يترك لنا مصير سنوات العمر ولا التعامل مع مختلف أجناس البشر.

العدد 1104 - 24/4/2024