القدر ليس نهاية الطريق.. بل هو بداية لرحلة طويلة

د. عبادة دعدوش:

في كتابها (قواعد العشق الأربعون) تدفع الكاتبة التركية إليف شافاك بنا إلى تفكير عميق حول مفهوم القدر، إذ تقول: (لا يعني القدر أن حياتك مُحدّدة بقدر محتوم).

هذا التصريح يُلقي الضوء على أهمية عدم الاكتفاء بالنظر إلى الحياة على أنها مُجرّد أحداث محتومة، بل على أنها تجربة يُمكننا تشكيلها بتفاعلنا الإيجابي معها. فعندما نبحث بعمق في كلمات شافاك، نُدرك أن تفاعلنا الفعّال مع الأحداث والتحديّات هو ما يُحدّد مسارنا بصورة فعّالة أكثر من أيّ قوى خارجية مُحدّدة. فالقرارات والتصرفات التي نتّخذها تعكس آمالنا وتطلعاتنا، وهي التي تُسهم في تشكيل مسار حياتنا وتحقيق أحلامنا.

فعندما يتخلّى الإنسان عن المشاركة في خلق أنغام الحياة ويترك كل شيء للقدر، فإنه يفقد القدرة على التأثير في مسار حياته ويعتمد بشكل كبير على الصدفة، فالاستسلام للقدر دون التدخّل الإيجابي من الفرد يمكن أن يقود إلى الانحدار والاستسلام النفسي.

وبصفتنا أفراداً في مجتمع نُشكّل قوامه وأُسسه، يمكن لتفكيرنا وسلوكنا أن ينعكس على البيئة من حولنا، فإن كانت نظرتنا إلى القدر ستجعلنا واعينَ دون أن نسعى للتغيير والتحسين، فقد نفقد الإمكانية لبناء مجتمع أكثر تقدماً وازدهاراً. لذا، علينا إيجاد صيغة للتوازن ما بين قبول القدر والسعي لتحقيق التغيير، فإيماننا بالقدر لا يعني الاستسلام التام، بل علينا تبنّي موقف يجمع ما بين الإيمان بالمصائر المُحتملة، وفرص الاختيار والتأثير الإيجابي، فما خلقنا الله بعقل لنُفكّر ونتدبّر به، ونأخذ القرارات، ثمَّ نُحاسَبُ عليها لأنها قدر محتوم ومفروض علينا.

إن الحياة ليست مجرّد سلسلة من الأحداث المُحدّدة، بل هي فرصة للتطور والنمو والتحسين المستمر والتفاعل الإيجابي مع ما يواجهنا من تحدّيات وقبول تحمّل المسؤولية عن مسارات حياتنا هو ما يُحدّد مدى تأثيرنا على أنفسنا والمجتمع والعالم من حولنا.

من هنا، يجب علينا أن نكون واعين لقدرتنا على التأثير والتغيير، فالقدر ليس نهاية الطريق، بل هو بداية لرحلة طويلة نعمل خلالها على تشكيل ملامح مستقبلنا بإيجابية وعزم، فنحن نرسم أقدارنا بأفكارنا وقراراتنا. فلنستعدّ لنعزف موسيقا الحياة بإيمان وعزم، ولنبنِ مجتمعنا الذي يعكس تفاعلنا الإيجابي وقدرتنا على بناء مستقبل مُشرق لنا ولأبنائنا والحياة.

العدد 1104 - 24/4/2024