بعيداً عن السياسة.. جدل حول الألبسة والأزياء

يونس صالح:

عندما خلق الله آدم وحواء كما يقال، وعاشا في الجنة، خدعهما الشيطان، وشجعهما على عصيان ربهما، والأكل من شجرة المعرفة، وهنا فقط أدرك آدم وحواء أنهما عاريان، وكانت أوراق الشجر هي أول شيء يستر به الإنسان عورته، ولم يجد آدم وحواء بعد طردهما من الجنة سوى أن يسترا جسميهما مما وجداه على الأرض.

ومن ذلك الحين ظهرت وظيفتان أساسيتان للملابس:

الأولى هي ستر العورة، وخاصة بعد إدراكها، والثانية هي حماية جسم الإنسان عن طريق جلود الحيوانات فيما بعد.. وأصبح هذا المفهوم سارياً بالنسبة لجميع البشر مهما اختلف الزمان أو المكان أو الثقافة، فالإنسان العصري لا يمكن أن يكون أبداً عارياً، فلابد أن يكون مرتدياً لزي ما أو لشيء ما، وفي بعض المجتمعات القديمة كان العري رمزاً للرجوع إلى الطبيعة البحتة أو النقاء.

 

مفاهيم مختلفة

وتطور الزمن وتطورت معه أشكال الملابس وأنواعها، فأصبحت هناك ملابس خاصة للحروب أو للعمل، أو للرياضة وغيرها، وظل الإنسان يطور ويفكر ويكتشف أنواع الأقمشة، ويستخرج خامات ملابسه من الجلود أو المواد الزراعية أو المعدن.. إلخ.

كما استخدمت الملابس أيضاً للوقاية من الأمراض، ففي القرن السابع على سبيل المثال دمج الأطباء بعض الملابس ببعض الأعشاب العطرية وذلك للتخفيف من حدة المرض.. كما كانت بعض الملابس تستخدم للوقاية من (الأرواح الشريرة) لاعتقاد الإنسان القديم بأن المناطق المكشوفة من الجسم كالوجه واليدين والأرجل تكون كالأسفنج الذي يمتص الشرور وتؤثر فيه، لذلك استخدم الإنسان أشكالاً عديدة من الأقمشة، وذلك لوقاية جسم الإنسان من الأرواح والقوى الشريرة.. واستخدم الإنسان أيضاً الملابس والحلي كنوع من الوقاية الطبيعية للجسم.. فعلى سبيل المثال لم يستخدم فراء الحيوانات للزينة فقط، ولكن لإضفاء قوة الحيوان على صاحب الفراء، وفي بلاد الشرق كانوا قديماً يلفون الطفل الحديث الولادة في قميص والده، ولذلك لمنحه القوة والبأس، أما في الصين فالأطفال كانوا يرتدون أحياناً أشكالاً لرؤوس النمور والأرانب ذات العيون التي تكون على شكل أحجار ملونة، وذلك لوقاية الطفل بصورة عامة، كما أن هنود أمريكا كانوا يرتدون أقنعة مرسومة وذلك لإخافة أعدائهم، ولحماية أنفسهم من الأرواح الشريرة.

ومنذ القدم وحتى الآن اختلفت مقاييس الجمال، وتغيرت تغيراً جذرياً، فما كان مستحباً في الماضي، أصبح اليوم غير ذلك، فلكل فترة زمنية مقاييس خاصة للجمال، وانعكس ذلك بالطبع على الأزياء والملابس وطريقة ارتدائها. فعلى سبيل المثال كانت الملابس في العصور القديمة تختلف عن العصور الوسطى، والوسطى عن الحديثة.. أما الإحساس بالموضة فقد نما عبر العصور المختلفة.

أما استخدام كلمة موضة فقد ظهر ابتداء من أواخر العصور الوسطى، وكانت تعني (الطريقة) ثم تطور هنا المفهوم بدءاً من منتصف القرن السادس عشر ليصبح معناه التطور في اللبس.. وفي نهاية القرن الثامن عشر أصبحت (الموضة) صناعة، وخصوصاً بعد قيام الثورة الصناعية وتأثيرها الطاغي على مناحي الحياة في أوربا. لقد أصبحت صناعة وتجارة، ونتج عن ذلك ظهور مهن جديدة كمهنة الخياطة، والكواء، ومصمم الموضة وبائعها، وانتشرت كذلك محلات بيع الملابس، وزاد انتشارها خلال القرن التاسع عشر، وبالتالي ازدهرت صحافة الموضة التي تقوم على الترويج لها، وظهرت بيوت الأزياء الراقية في أوائل القرن العشرين، وتطورت ولم تعد تقتصر فقط على تصميم الأزياء وبيعها، بل امتد إلى تصميم وابتكار الإكسسوارات، ومكملات الزينة والأحذية ومنتجات كثيرة أخرى، حتى أصبحت تلك البيوت إمبراطوريات تجارية مستقلة بذاتها.

 

لغة ورموز

قل لي ماذا تلبس أقل لك من أنت! أي يمكن من الزيّ معرفة هوية صاحب الزي ومكانته الاجتماعية وسنه وثقافته.. إن الأزياء والملابس تعتبر كاللغة المليئة بالرموز، فهي تحكي تاريخ البشر من البداية إلى الآن.. وإضافة إلى أن الملابس تميز المكانة الاجتماعية لصاحبها، فإنها أيضاً توضح وظيفته.

 

حداثة وتمرّد

أما عن الزي الأشهر في عالمنا، أي الجينز، فله قصة طريفة.. لقد تم ابتكاره في القرن التاسع عشر، وقد أنتج هذا النوع من السراويل خصيصاً لتحمل ظروف العمل الشاقة للباحثين عن الذهب ولرعاة البقر، وقد تطور الجينز ليصبح زياً عملياً للشباب، وانتشر في جميع أنحاء العالم، ومع انتشار صيغة العمل والعمال بعد قيام الثورة الصناعية انتشرت أنواع معينة من الأزياء المتماشية مع حركة العمل.. واستخدمت الأزياء أيضاً، خصوصاً في وقتنا الحاضر كوسيلة للتعبير عن التمرد على التقاليد والمجتمع، فظهرت على سبيل المثال مجموعات الهيبز وغيرها في أوربا، ثم مجموعات اليانكس بملابسهم الغريبة وتصرفاتهم الأغرب.

ويبقى مفهوم الترتيب هو شغل الإنسان الشاغل، وتبقى الأناقة الحقيقية في البساطة، وفي قدرة الإنسان على حسن اختيار اللباس الذي يلائمه.

 

العدد 1105 - 01/5/2024