مُطلّقات صغيرات

حسين خليفة:

ليس غريباً أو جديداً وجود حالات طلاق بين الأزواج الشباب بنسب متفاوتة في كل فترة وفي كل بيئة مجتمعية.

لكن في سنوات الحرب والتهجير والنزوح والفقر المُدقع الذي يعيش فيه السوريون حتى الآن نتيجة لتغوّل سلطة أثرياء الحرب والفساد الكبير الذي لم يترك مورداً واحداً للعائلات السورية الفقيرة دون أن تنهبه وتسحب اللقمة من أفواهنا دون أن تطولهم أي محاسبة، بل هم من يحاسبون فقراء البلد الذين يبحثون عن الخبز والكهرباء والغاز ويمضون الليل والنهار في اجتراح العيش ضمن ظروف البلد التي لم تعد صالحة للعيش البشري.

في هذه الظروف يصبح شيوع الطلاق وفي الزيجات الشابة تحديداً إحدى النتائج الكارثية للحرب ومخلفاتها من الأدران والطفيليات التي تحدثنا عنها أعلاه.

فحسب مصادر مُتعدّدة يتضح أنه في العام الفائت 2023 كان هناك 11 ألف حالة طلاق، مقابل كل 29 ألف حالة زواج، أي إن نسبة حالات الطلاق إلى الزيجات نحو 40%، وهذا رقم مرعب فعلاً.

فيما تقول بيانات المجموعة الإحصائية الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء لعام 2022 إن إجمالي عدد عقود الزواج التي سُجّلت في سورية خلال عام 2021 بلغت 237944 عقداً، فيما بلغ عدد شهادات الطلاق خلال العام نفسه 41957 شهادة، وذلك بنسبة 17.6 بالمئة من إجمالي واقعات عقود الزواج المسجلة. والفارق بين الإحصائيتين كبير، لكن لا بدَّ من الإشارة إلى أن كثيراً من واقعات الزواج والطلاق تحصل دون المرور بالمحاكم الرسمية كونها تُسجّل خارج المحاكم أولاً، وثانياً هناك مناطق واسعة خارج سيطرة الدولة ولا توجد إحصاءات دقيقة لحالات الزواج والطلاق فيها، وهناك حالات زواج بالآلاف من مقاتلين أجانب لدى التنظيمات الإرهابية الأصولية (النصرة، داعش، ..) لم تدُم طويلاً لأسباب مختلفة، مثل مقتل الزوج أو اختفائه أو عودته إلى بلده تاركاً الزوجة الصغيرة مع أطفالها دون تسجيل أو اعتراف بهم، أو يقوم (المجاهد) الصنديد بتطليقها ليأخذ غيرها، ولا تتضمّن الإحصائيات الرسمية الصادرة عن الحكومة السورية هذه الواقعات في جميع الأحوال.

وتتشعّب أسباب هذه الظاهرة المُقلِقة، فإضافة إلى الحرب وآثارها، وخصوصاً الفقر والبطالة والنزوح والتشرّد والانتقال إلى بيئات جديدة ومخيمات ومراكز إيواء وغيرها، هناك ظواهر اجتماعية مُتأصّلة في بعض البيئات مثل الزواج المبكر أو زواج الصغيرات بل الطفلات، وهو مخالف للقانون السائد حالياً لكن يجري الالتفاف عليه بالزواج بعقد عرفي خارج المحكمة، ثم تثبيت الزواج عبر المحكمة التي لا تجد بداً من الموافقة على زواج حاصل وربما يكون هناك حمل أو أطفال أيضاً لدى مراجعة المحكمة لتثبيت الزواج.

في حين أن المفترض بالقائمين على سنِّ القوانين فرض عقوبات شديدة على ولي أمر الطفلة الضحية وعلى الزوج أيضاً للقضاء على هذه الظاهرة المشينة والظالمة، والتي تعتبر أحد أشكال العنف ضدَّ المرأة، وتؤدي غالباً إلى المشاكل الزوجية والطلاق أحياناً.

من أسباب هذه الظاهرة أيضاً بعض حالات عدم التكافؤ بين طرفي العلاقة من حيث المستوى العلمي أو الثقافي، فتجد خريجة جامعية يتمُّ تزويجها لرجل أميّ أو لم يتعدَّ المرحلة الابتدائية، كما يدخل ضمن هذا السياق حالات الزواج من بيئات مختلفة متفاوتة التطور الحضاري ومختلفة القيم والأعراف والثقافات ممّا يخلق أحياناً حالات تصادم بين الزوجين بعد اكتشاف صعوبة تجاوز موروث كلٍّ منهما.

ثم تأتي ظاهرة جديدة ضمن الأسباب التي فاقمت ظاهرة الطلاق لدى الأزواج الشباب، وهي ظاهرة التعارف والزواج عبر وسائل التواصل الاجتماعي (الفيسبوك، الوتس، الانستغرام، التلغرام…الخ)، وهي ظاهرة في اتساع وتزايد بسبب عزلة الأفراد عن محيطهم الاجتماعي وحتى الأسري، فتصبح العلاقات عبر الإنترنت هي الأسهل والأريح والأقلُّ عبئاً، وحين تنتهي علاقات من هذا النوع بالزواج تبدأ القطب المخفية خلف الشاشة والكلام الجميل تظهر، وتبدأ كثير من الحقائق التي كانت تغيب خلف المسافات والجهل بالآخر سوى ممّا يقوله هو عبر وسائل التواصل تظهر للعيان، وغالباً ما تبدأ المشاكل بين الطرفين في وقت مُبكر وتنتهي بالطلاق أيضاً.

إضافة إلى أن إدمان التعامل مع وسائل التواصل يخلق فجوة بين الأزواج، خصوصاً في ظلِّ انشغال الزوج غالباً بساعات عمل طويلة نتيجة سوء الوضع الاقتصادي، ولجوء الزوجة إلى وسائل التواصل لتمضية الوقت، ممّا يخلق بيئة مناسبة لنشوء علاقات خارج الزواج، ويُشكّل سبباً إضافياً في حالات الطلاق بسبب حالات الخيانة الزوجية عبر الإنترنت من أحد طرفي العلاقة الزوجية أو كليهما.

كما شاعت في بدايات الحرب مع موجات اللجوء الكبيرة إلى البلدان المجاورة والعربية خصوصاً ظاهرة تزويج الفتيات السوريات، صغيرات السن تحديداً، لرجال كبار السن من جنسيات أخرى بسبب سوء أحوال الأسرة في ظروف اللجوء، وحاجتها إلى المساعدة، فتضحّي بالطفلة من أجل تحسين أحوال العائلة، ويتبيّن لاحقاً لدى الجميع أن هذه (التجارة) خاسرة حتى بالمنطق المادي، فضلاً عن كونها منافية للإنسانية والأخلاق، إذ سرعان ما يرمي عريس الغفلة يمين الطلاق على الطفلة بعد أن يقضي وطره منها، أو تضيق الطفلة ذرعاً بزوج في عمر أبيها ويعاملها كالجارية، فيحدث الطلاق.

الطلاق حلّ منطقي وطبيعي لكثير من حالات المشاكل الزوجية المستعصية، وليس عملاً مُشيناً أو مُداناً حتماً، لكنه عندما يتحول إلى ظاهرة، وخصوصاً لدى زيجات حديثة، فهو يقرع ناقوس الخطر ويُنبّه إلى إحدى كوارث الحرب السورية وطرق معالجة مشاكل المجتمع والسياسة والاقتصاد لدى السلطات التي تُغلّب الجانب الأمني على كل الجوانب الأخرى التي لا تقلُّ أهمية وخطورة عنه.

والحل هو أولاً وقبل كل شيء يكون في البدء سريعاً لإنجاز الحل السياسي بين السوريين موالاة ومعارضة لبناء سورية جديدة بعقد اجتماعي عصري يُحقّق الديمقراطية والتعدّدية وتداول السلطة، ويُنهي احتكار الحقيقة والوطنية لدى فئة أو حزب أو سلطة، الأمر الذي يُتيح توحيد جميع الأراضي السورية تحت سيطرة هذه السلطة المُنتخبة الخاضعة لمساءلة المؤسسات التشريعية والإعلام والقضاء المُستقل، ويضع الأساس لإعادة ترميم الصدوع الكبيرة والهائلة والمُتعدّدة التي خلقتها عقود الاستبداد وسنوات الحرب في المجتمع السوري، ومنها معاناة النساء السوريات التي تضاعفت خلال سنوات الحرب واللجوء والتشرد والتدهور المريع للأوضاع الاقتصادية التي تزداد سوءاً كل يوم.

العدد 1104 - 24/4/2024