ما الكامن خلف ظاهرة الطلاق المُبكّر؟

إيمان أحمد ونوس:

الطلاق حالة اجتماعية تنشأ عند فشل الزوجين في التوصل إلى التفاهم والاستقرار، وبالتالي يعني فشل هذه المؤسسة الاجتماعية: الأسرة، ولذلك فالطلاق غير مقبول ولا مرغوب به اجتماعياً.

لكنه يصبح ضرورة لا بدَّ منها عند استحالة العيش المشترك بمودّة ورحمة، لإنقاذ أحد الطرفين أو كليهما، وأيضاً إنقاذ الأولاد (في حال وجودهم) من جحيم المشاكل والشجارات اللامنتهية بين الأبوين، وهو ما يؤثر سلباً على الحالة النفسية والتكوين الخلقي لهؤلاء الأولاد.

ويجري الطلاق عادة بعد فترة لا بأس بها من الزمن، أيَ بعد محاولة التعايش بعدة طرق وأساليب على أمل التوصّل إلى حلِّ هذه الخلافات وتجاوزها، وإلاَ فالانفصال هو الحلّ.

أما اليوم فقد بتنا نرى حالات مستعجلة ومبكّرة من الطلاق بعد زواج لم يتجاوز عدّة أشهر، وهذا مرعب لأنه يخلخل بنية الأسرة والمجتمع، وقبل ذلك يكون قد خلخل البنية النفسية لكلا الطرفين اللذين رسما أحلامهما الوردية على صفحات حب واهية، وخططا لحياتهما داخل قصور رملية قائمة على أساس من أوهام التفاهم والانسجام الكاذب، نتيجة عدم الفهم الصحيح لمفهوم الزواج والمسؤوليات المترتبة عليه، ويكون هذا الزواج قد جرى بالدرجة الأولى لتفريغ شحنات الحب والهوى المُقيّد والممنوع اجتماعياً وأخلاقياً خارج زواج شرعي معلن.

فما هي الأسباب التي يمكن أن تكمن خلف هذه الظاهرة المرعبة حقاً في مجتمعنا والتي لها منعكسات خطيرة على القيم الاجتماعية والأخلاقية…؟؟

–      الزواج المبكر للطرفين لأسباب تقليدية اجتماعية (النذر، الابن الوحيد، …) والطرفان هنا لم يؤهّلا نفسياً واجتماعياً، وحتى صحياً، بشكل كافٍ لفهم الزواج وتقدير مسؤولياته، وبالتالي تحمّلها بجدارة.

–     الزواج المبكر للفتاة وربما مع عدم موافقتها، وبالتالي فإن قلّة تجربتها وانعدام خبرتها بمسألة التعايش والتكيف، إضافة إلى جهلها بمسؤوليات الزوج واحتياجاته الخاصة، وهذا ما قد يخلق لها نوعاً من النفور حتى من أنوثتها، وبالتالي قد تُصاب ببعض الأذيات النفسية التي تؤثر عليها ولا تؤهلها مُجدّداً للاستمرار داخل الحرم الزوجي.

–      وجود قصة حب عنيفة قائمة على عواطف متأججة بحكم المرحلة العمرية للطرفين، وهنا تتحكم هذه العواطف بهما وبالتالي يتحكمان بالأهل لإتمام الزواج دونما معرفة دقيقة وواضحة بينهما ولدقة مشاعرهما التي ما تلبث أن تفتر بعد فترة وجيزة من الزواج، وتتضح الاختلافات الجوهرية والعميقة التي لا يمكن الاستمرار معها، أي حسب المقولة الشعبية (راحت السكرة وجاءت الفكرة).

–      التقدم بالعمر عند الطرفين أو أحدهما وحتى لا يفوتهما قطار الزواج (ظلِّ راجل ولا ظلِّ حيطة) فإنهما يستغلان أول فرصة سانحة للزواج دون دراسة ومعرفة دقيقة وحقيقية كلٌّ منهما للآخر ولمشاعرهما، وما إن ينتهي عسل الأيام الأولى حتى تتكشف لكلٍّ من الطرفين أمورٌ وطباع في الشريك قد لا تتوافق مع شخصية الآخر، وربما يصبح الاستمرار ضرباً من الاستحالة.

–      عمل المرأة واستقلالها اقتصادياً، ما ترك أثره على شخصيتها ورفضها لحياة لا تتلاءم مع تلك الاستقلالية والاعتراف بكيانها، إضافة إلى عدم رغبة فتيات اليوم- خصوصاً المُنتجات/ العاملات- التحلّي بالصبر والانتظار ريثما يتم التوافق والانسجام مع طباع الزوج، لأن هذا الانسجام قد يأخذ وقتاً تبعاً لشخصية كلا الطرفين وتكوينه.

–      بعض عوامل الخداع والكذب من أحد الطرفين بمسألة ما أو بعدة أمور من تلك التي لا يمكن القبول بها والسكوت عنها، ويجري اكتشافها من الطرف الآخر بعد الزواج.

وهنا أقول إنَ الزواج مسألة جدُّ هامة وخطيرة يجب التفكير والتوقف كثيراً قبل الإقدام عليها وولوج فردوسها المعسول، لأن الزواج مسؤولية، وقبل هذا هو موضوع تعايش يجب أن يكون بكثير من المودة والرحمة والاحترام من كلا الطرفين للطرف الآخر، إضافة إلى أنه في بعض جوانبه عملية مقايضة يجب أن تتم بين الطرفين، أيَ أن يتنازل كل منهما عن بعض الأمور والصفات والطباع التي قد تؤثّر سلباً على حياتهما، وأيضاً قد تقف عقبة في استمرارهما معاً، ولا ضير في تنازل لا يترك أثراً على الأخلاق والسمعة والشخصية، هي أمور قد تكون بسيطة، وبالتخلي عنها يسير قارب الزوجية نحو مرفأ الأمان لدخول الفردوس المنشود علَنا نستطيع التخفيف من ظاهرة الطلاق بشكل عام، والطلاق المبكر بشكل خاص لدى حديثي الزواج، وهي ظاهرة مرعبة بكل المقاييس تجاه الأفراد والمجتمع.

العدد 1104 - 24/4/2024