هروب من المسؤولية

وعد حسون نصر:

الطلاق الشائع في المجتمع، والذي بات سهلاً جداً عند جيل من الشباب بشكل عام، كذلك عند البعض ممّن هم أكبر من سنِّ الشباب وإن كان أقلُّ شيوعاً عن جيل الشباب، بات اليوم أمراً مُقلقاً. قد تكون الظروف القاسية سبباً مباشراً بتفشي هذه الظاهرة، من بطالة وقلّة فرص العمل وفقدان فئة كبيرة لعملها بسبب الأزمة والتهجير.. الخ، ومن الطبيعي أن يخلق هذا الوضع حالة من التوتّر داخل الأسرة وخاصة مع الاستغناء عن الكثير من المستلزمات واعتبارها كمالية والتركيز فقط على الضروريات، وبالتالي سيكون سبباً من أسباب الطلاق لا يمكن تجاهله. كذلك الإنجاب المُستمر والفقر والجهل لا يمكن تجاهلها، وبالتالي لها ربما الدور الأكبر في الطلاق. أيضاً وسائل التواصل الاجتماعي التي انتشرت ضمن المجتمع بصورة كبيرة وما نجم عنها من تقليد للمشاهير وكيفية تعاملهم مع الحياة الزوجية جعل البعض من الفتيات وحتى الفتيان وخاصة من هم في سنٍّ صغير يرسمون حياتهم وأحلامهم على غرار حياة مشاهير هذه الوسائل، وهنا تبدأ المعاناة والمشاكل والخلافات بسبب اختلاف الواقع عن العالم الافتراضي، بالتالي يكون هذا سبباً لا يمكن تجاهله في الطلاق عند هؤلاء الأشخاص.

لنبقَ ضمن نطاق عالم التواصل الاجتماعي واستخدامه لغاية بعيدة عن غاية التعارف والثقافة والتعليم والاكتشاف لثقافات أخرى، هناك الكثير من الرجال والسيدات يستخدمون هذه الوسائل  للتعارف والأحاديث الخاصة والدخول في علاقات شخصية تعوضهم عن الحرمان في حياتهم الواقعية، وهنا تحدث المقارنة بين الكلام المعسول في وسائل التواصل والكلام العادي من الشريك على أرض الواقع، ممّا يُثير خلافات تؤدي إلى الانفصال، فاللامبالاة والاستهتار وعدم الشعور بالمسؤولية واعتبار الحياة الزوجية عند البعض عبارة عن تجربة أو تسلية واللجوء لاستبدال الطبخ بالوجبات السريعة وغسيل الملابس خارج المنزل بدل غسلها في غسالة المنزل، وضياع الوقت في صالونات تزيين الشعر، هذه الحالة من التبذير قد تُسبّب خلافات وتوتّراً بين الطرفين، وإن كان أحد الشريكين يراها أمراً طبيعياً وسبيلاً للراحة لكنها قد تكون عند الطرف الآخر سبباً مباشراً للطلاق. أيضاً الخيانة التي باتت تُبرّر تحت مُسميات مختلفة هي الأهم والسبب المباشر الذي لا يمكن تجاهله في الطلاق، فهي مرفوضة أخلاقياً ودينياً وقانونياً، ولا يمكن إيجاد أي مُبرّر لها لأنها ستبقى حاضرة مع أصغر خلاف في العائلة، لذلك تكون الخيانة هي السبب المباشر للطلاق ومن أهم أسبابه. كذلك الغيرة المُبالغ فيها من أحد الشريكين لا يمكن تجاهل دورها في حدوث الطلاق.

وقد يكون الإدمان والتعاطي وشرب الكحول والمقامرة كلها أسباب مباشرة للانفصال، لكن لابدَّ من إيجاد حلٍّ للحدِّ من تفشّي هذه الظاهرة وخاصة بين جيل اعتاد على الأحكام السريعة دون النظر لعاقبة حكمه، فلا بدَّ من الحوار بين الشريكين، وإذا كان الحوار غير مجد لابدَّ من تدخّل شخص واعٍ يدير هذا الحوار لمعالجة الأسباب وضرورة تجاهل بعض الهفوات، وأن يكون التركيز على الأساسيات والأطفال هم أهمُّ تلك الأساسيات، فحالة الضياع والتشتّت بين الزوج والزوجة وما ينجم عنها من سوء في صحة الأطفال النفسية، فقد تكون ردود أفعال أطفالهم مستقبلاً غير متوقعة، لذا لابدّ أن يكون الأطفال من أهم الأسباب للعزوف عن قرار الطلاق. ربما يكون الطلاق عند البعض سبيلاً للخلاص من حياة أكثر سوءاً من قرار الطلاق، لكن إذا كان هناك فرصة للإصلاح فالأفضل هو الوقوف عندها واستغلالها كي لا نُدمّر الأسرة، فلماذا لا نلجأ إليها، لذا تحاوروا، واكشفوا أوراقكم قبل الزواج لكيلا تتبعثر بعده، وهنا تضيعون في تفاصيل تُدمّر بناء سنين بلحظة غضب وكلمة كانت أبغض الحلال عند الله سبباً لندم تعيشونه أنتم وأبناءكم لسنوات.

العدد 1104 - 24/4/2024