العجز الأوربي ينكشف أكثر فأكثر!

د. صياح فرحان عزام:

خلافاً لما كان يسعى إليه الاتحاد الأوربي في الأعوام الأخيرة حول العمل على احتواء التناقضات الداخلية بين دوله، وإثبات قدرته على القيام بدور مستقل في الساحة الدولية، إلا أنه لم يستطع تحقيق ذلك، ومع كل يوم يمر يزداد انكشاف عجز الاتحاد، وعدم قدرته على التأثير، وحتى تفاقم التناقضات الظاهرة والخفية داخل صفوفه.

إن أوربا التي وجدت نفسها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي تبحث عن موطئ قدم لها كقطب مستقل يلعب دوراً وازناً على الساحة الدولية، سرعان ما اكتشفت أنها واقعة بين قطبين كبيرين، الولايات المتحدة التي كانت ومازالت تحاول الإبقاء على تحالفها معها من موقع (ما تسمّيه الشراكة مع أوربا)، وروسيا وريثة الاتحاد السوفييتي التي استعادت بناء قواها السياسية والعسكرية والاقتصادية قبل أن يدخل العملاق الصيني على خط المنافسة على قيادة الساحة الدولية.

ومع ذلك حاولت أوربا التخلص من التبعية لأمريكا ومن الاعتماد على حماية الولايات المتحدة لها، بالسعي إلى توحيد صفوفها وإنشاء قوة أوربية موحدة، أو جيش أوربي موحد، كما دعا إلى ذلك الرئيس الفرنسي ماكرون، في وقت سابق ليس ببعيد، ولكنها فشلت في ذلك حتى الآن، وبالتالي ظلت أوربا تلعب دورها العالمي تحت جناح الولايات المتحدة الأمريكية وفي إطار حلف الناتو، على الرغم من المصالح التجارية والسياسية والاقتصادية التي كانت تفرض نفسها وتدفعها لإقامة علاقات مع روسيا الاتحادية والصين، ربما أيضاً لإقامة نوع من التوازن مع الهيمنة الاقتصادية الأمريكية.. لكن اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية في أواخر شهر شباط 2022، قلب الأوضاع رأساً على عقب، إذ توهمت أوربا بإيحاء أمريكي أن روسيا يمكن أن تستهدفها، وبالتالي تحمّست لمساعدة أوكرانيا وراحت تمدّها بالسلاح والذخائر والمستشارين العسكريين وغير ذلك، وغامرت بتحمل أعباء اقتصادية هائلة على حساب شعوبها ومواطنيها، عبر التخلي عن النفط والغاز الروسيين، وفرض عقوبات على موسكو، إلا أن النتيجة كانت زيادة الانقسام وتعميقه بين دول الاتحاد، والأسوأ أنها اكتشفت في النهاية أنها غير قادرة على تلبية مطالب زيلينسكي المتتالية، بمعزل عن الولايات المتحدة، وأن واشنطن هي التي تمسك بمفاتيح السياسة والاقتصاد وحتى الدعم العسكري، أي أنها لا تستطيع القيام بدورها بمعزل عن واشنطن، كذلك أكد العدوان الصهيوني الأمريكي على قطاع غزة انكشاف العجز الأوربي أكثر فأكثر، وعدم قدرة الاتحاد الأوربي على لعب دور مستقل تجاه هذا العدوان الهمجي، أو حتى السعي لإيجاد تسوية عادلة للقضية الفلسطينية بمعزل عن الولايات المتحدة الأمريكية.

كل هذا وغيره من الأخطاء الأوربية، خاصة التبعية المطلقة للسياسة الأمريكية ساهم وما يزال يساهم في ازدياد العجز الأوربي عن اتباع سياسة متميزة على الأقل ولو بأدنى الحدود عن سياسة واشنطن، بل ويؤكد مقولة أمريكية لوزير دفاع أمريكي سابق وصف فيها أوربا بأنها (القارة العجوز)، علماً بأن هذا الوصف فيه إهانة كبيرة لثماني وعشرين دولة أوربية منتسبة إلى الاتحاد الأوربي.

وفوق هذا، ليس هناك أمل حتى على المدى المنظور بأن تدرك أوربا أنّ عجزها هذا سيزداد بل سيتضاعف ما دامت في وضع التابع لأمريكا.

العدد 1104 - 24/4/2024