غزة تنزف وتدمّر.. والعالم في الإمارات يبحث التلوث البيئي في العالم

المهندس نزار طرابلسي : التشيك – براغ:

إن لم تستحِ فافعل ما تشاء؟

غريب هذا المجتمع الدولي وبالأخص العربي، فما يحدث شيء لا يصدق، ولا يمس بالإحساس الإنساني والبشري. أطفال ونساء وشيوخ غزة يقتلون يومياً بالمئات، والمفقودون تحت الركام من هول الدمار والقنابل المحرمة دوليا والتي أُلقيت على غزة لتدميرها ومحوها من على الخريطة، إضافة إلى تدمير المستشفيات والمدارس وأماكن الإيواء التابعة للأمم المتحدة، وتهجير ما لا يقل عن مليون ونصف مليون من أهالي غزة التي دمرت بيوتهم وأصبحوا تحت العراء مختلطين مع المرضى والموتى والجثث المتعفنة. والوضع الكارثي نتيجة مجزرة وهولوكست خطير ومميت. نفذتها أيادي الإجرام والإرهاب والفاشية للعدو الصهيوني على الشعب الفلسطيني الأعزل في غزة والضفة الغربية، مقابل صمت وتعتيم إعلامي كبير، وكأن ما يحدث مجرد أفلام تعرض للتدريبات العسكرية. وعلى مرأى ومسمع الدول العربية التي لاتزال سفارات الاحتلال الإسرائيلي تزاول عملها اليومي فيها وبشكل طبيعي. بل وصلت درجة الوقاحة أنه في اليوم نفسه الذي صرحت فيه ابنة الشهيد والمناضل الكبير غيفارا الطبيبة المعروفة بأنها وضعت نفسها تحت تصرف القيادة الفلسطينية لحماس. وإن هذا أقل شيء تتمكن من عمله لدعم أهالي غزة ضد المجزرة النازية، وفي الفترة نفسها قطعت العديد من دول العالم في إفريقيا وخاصة جنوب إفريقيا وبعض دول أمريكا اللاتينية علاقاتها مع إسرائيل وطردت السفير الإسرائيلي من بلدانها، أطل علينا وزير خارجية البحرين بتصريح أعلن فيه استنكاره لأعمال حماس الإرهابية بحق المدنيين الإسرائيليين، وأعلن تضامنه مع الضحايا في إسرائيل. إنها وقاحة وعمالة ومشاركة بالعدوان والقتل والدمار، وإعطاء صك أبيض للعدو الصهيوني المجرم ومكافأته عن مجازره النازية. هذا أقل وصف يمكن لأناس ومسؤولين ان يوصفوا به.

وفي هذا الوقت ينعقد في دولة الإمارات مؤتمر دولي لبحث آثار وأخطار بعض الغازات مثل ثاني أوكسيد الكربون وغيرها على تلوث البيئة وطرق مكافحتها. ويضم في أجنحته رؤساء دول العالم من القارات الخمس بما فيهم زعماء وممثلون عن الدول العربية من رؤساء وزارات، إلى وزراء خارجية، وكان الوضع والحالة في الدول العربية على أحسن ما يرام ولا ينقصهم سوى معالجة تلوث البيئة؟

مع العلم أن الأغلبية تعيش تحت خط الفقر، وليس لديهم من طعام وشراب، يشربون الماء الملوث إن وجد، وشعب غزة بأطفاله ونسائه ليس لديهم ما يأكلونه ويشربونه، إضافة إلى البرد القارس ووجودهم تحت العراء، وليس لديهم مسعف أو ممرض لتضميد جراحهم، فضلاً عن الموتى والشهداء الذين لايزالون تحت الأنقاض، ومن نجا من الموتى تتعفن جثثهم ولا يوجد من يدفن هذه الجثث. هذا أكبر تلوث بيئي، ومن الأجدر البحث بحلول وتخفيف أعبائه ومخاطره، مأساة ومجزرة وهولوكست ممنهج ومخطط له بدعم وإشراف وتخطيط الإدارة الأمريكية والغرب.

أوجّه السؤال المشروع الذي يسأله المواطن العربي والطفل والمرأة الفلسطينية، لكل المجتمع الدولي والعربي خاصة ألا تسمعون النداءات والاستغاثات ومحطات التواصل الاجتماعي، ومحطات التلفزة التي تنقل مباشرة آثار الدمار والعدوان والقتل والتنكيل. كل هذا العنف والقتل ولم تتحرك قلوبكم وضمائركم للقيام بعمل ما؟ لطلب الاستغاثة والمساعدة، ووقف العدوان الغاشم ليتمكنوا من العودة إلى بيوتهم وتضميد جراحهم ودفن موتاهم، وتقديم شيء يأكلونه ويشربونه، بدلاً من اهتمامهم بالوضع البيئي في العالم المتحضر والمشاركة بالجلوس مع المسؤولين عن قتل نساء وأطفال غزة. وخذلان الشعب الفلسطيني والتآمر عليه.

إن ما حدث ويحدث وسيحدث ليس إلا وصمة عار في جبين هؤلاء المستخفين والمستهترين بدماء الأبرياء، وبحقّ الشعب الفلسطيني في بناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس والالتزام بالقرارات الدولية واتفاقيات الذل والعار التي وقعت مع المحتل المجرم، التي ستتذكرها الاجيال التي فقدت الأب والأم والأخت والأخ. ولم يبقَ لها سند ولا معين. وستبقى بوصلة النضال والكفاح هي المعيار والهدف الرئيسي من أجل طرد المحتل وإقامة الدولة الفلسطينية، ومحاسبة العملاء وعودة الحق الذي سرق لعشرات السنين، وحق العودة وإعادة إعمار ما دمر والترحم على الشهداء التي روت دماؤهم الطاهرة أرض فلسطين وغزة.

نعم، الحقيقة مُرّة، ولكن يجب ان تقال، ولن يصح إلا الصحيح.

العدد 1105 - 01/5/2024