لتحيا بسلام.. عليك أن تُسامح

وعد حسون نصر:

سامح كي تمرَّ الأيام بهدوء دون فوضى، كي تمرّ بسلاسة، لا تقف عند الهفوات العابرة، اتركها قليلاً ريثما تمرُّ وكأنها طرفة تتذكّرها بابتسامة، خاصةً بين الأهل والأصدقاء. لا تقف أمام أحد أفراد أسرتك وتُكرّر هفواتهم المقصودة وغير المقصودة، اعتبرها كأنها ساعة غضب أخرجت كل القيح ليشفى الجرح، لا تقف أمام صديق وتنتقد تقصيره معك في مناسبة ما، برّر له السبب فالظروف منعتنا جميعاً من تأدية الواجب.

لاحظنا خلال سنوات الأزمة وبعدها حتى الآن شرخاً وفتوراً في العلاقات الاجتماعية بين الأهل والأخوة قبل الأقارب، أسباب كثيرة كانت وراء هذا النفور والفتور في التواصل لعلَّ أهمها الاختلاف في وجهات النظر، ومحاولات فرض الرأي بين المؤيّد والمُعارض، فلا أحد يريد أن يتقبّل وجهة نظر الآخر، ومن هنا نشبت الخلافات العائلية بين الأسرة، خاصة بعد أن دمّرت الحرب بيوت الكثيرين، وشاءت الظروف أن يجتمعوا تحت سقف واحد مع اختلافاتهم وأسلوب حياة كل منهم وطريقة أكلهم وفرحهم وحزنهم وتقلّب مناخ أفكارهم، وهذا بحدِّ ذاته سببٌ للتنافر والفوضى والمشاكل، ومن الطبيعي أن تجد كل من يخرج من هذا المنزل إلى منزل مستقل حاملاً معه أحقاداً وذكريات لكلمات طرقت مسمعه من أحدهم بقصد أو بغير قصد، ويمرّ الزمن ومع البعاد تزداد الأحقاد والذكريات السيئة. لذا من غير المعقول أن تدوم الأحقاد بين الأهل لأسباب كانت الظروف أقوى منها.

وهنا علينا أن نسامح، فلا يمكن أن ألوم مكسوراً ومهزوماً ومن سُلِبَتْ منه حرية خلوته في المرحاض على كلمات أطرب سمعي بها في لحظة غضب، فجميعنا مكسور، وجميعنا مهزوم ولا عتب على مظلوم ثار قهراً في وجه مظلوم، فكلاهما يخشى الظالم. لذا، لا بدَّ أن نسامح.

أيضاً من الطبيعي لشعب يقضي ساعات نهاره وليله وأوقات قيلولته على ضوء لِدٍّ دخيل على حياته، ينتظر الماء والكهرباء، ينتظر دوره في الحصول على الخبز والغاز والسكر والأرز، أن يفقد أعصابه ويثور من أبسط كلمة أمام كل هذا القهر، ومن الطبيعي أن نغفر له ونسامحه لأننا نحيا معه القهر ذاته، فلا لوم على أحدنا إن هدم ما حوله وشتم وصاح، فالروح تئنُّ من شدّة القهر، ومن أقرب للروح من قرينها حتى يمتصَّ ثورة قهرها؟

لذلك، لابدَّ أن نعود إلى إنسانيتنا، فنحن جميعاً بحاجتها الآن، بحاجة إلى نقاء فقدناه من كثرة ما مرَّ علينا من قهر مُغمّس بالذلِّ والظلم، فلنكسر الجليد الاجتماعي الحائل بيننا ونعود بشراً لا وحوشاً، فبعد هذه الحرب التي أفقدتنا الإنسانية والأخلاق لابدَّ أن نُرمّم ما تبقى من ذرات الخير لنعود من جديد، ولتزهر أرواحنا محبة، تسامح، عطاء، جمعينا مكسور والكلمة الطيبة خير مُرمّمٍ لروح مكسورة، فلنسامح كي نحيا ونُحيّي من حولنا.

العدد 1104 - 24/4/2024