أيمن أبو الشعر يجسد حتمية الانتصار في أنشودة الحصار
أغنية رائعة عن شعب أروع في صموده وتضحياته تأكيدا لحتمية انتصاره على قوى العدوان- الزواحف
(النور):
نعم، هذه حقيقة: رافق أيمن أبو الشعر ذاكرتنا النضالية، وأخصب قناعاتنا الفكرية وأنعشها بنتاجاته الإبداعية المتنوعة، ولهذا ليس غريباً قطّ أن يتحفنا بنشيد الحصار عن معاناة غزة. نشيد الحصار هذا، نشيد مذهل حقاً بتكثيفه لمضامين المواجهة والمقاومة، وكذلك في توسع مداه الإنساني، فهو نشيد أممي بامتياز، وكيف لا وشاعره هو أيمن أبو الشعر، الإنسان الذي كرس كل كتاباته للإنسان وهمومه وقضاياه ومستقبله حتى عبر قصائده الكثيرة عن القضية الفلسطينية. نشيد الحصار الذي نشره الشاعر على قناته في التلغرام يتحدث عن معاناة غزة وصمودها الأسطوري بآن معاً.
والحقيقة أنه قد تبدو المسألة شائكة حين يحاول البعض حصر نضال الشعب الفلسطيني بأيديولوجية دينية محددة وحسب، والشاعر أيمن أبو الشعر شاعر يساري معروف، ولكنه في الآن نفسه يدعم حتى صيحة (الله أكبر) حين تكون للتحرير والخلاص من العبودية، ويرفض استغلالها لقطع الرؤوس.. أعتقد أن الأمر واضح لا يستدعي أن نقف عنده طويلاً. وقبل أن نغوص في عمق هذا العمل النوعي الهائل لا بد من توجيه الشكر لهذا الثلاثي الرائع الذي يمكن أن نطلق عليه تسمية ثلاثي الإبداع الحضاري الإنساني التقدمي الراقي بالمعنى البسيط النقي لهذه العبارة، ذاك أن الشاعر أيمن أبا الشعر أعلن عن مشروعه هذا بكل وضوح قبل سنتين ليقدم بديلاً جميلاً في مجال الغناء عوضاً عن السوقي والمبتذل، والحقيقة أن هذا المشروع بدأ مع الملحن المبدع وليم حسن والمطربة لانا هابراتسو، ولكن لظروف موضوعية تكرس ثلاثي إبداعي جديد مميز آخر برعاية وتمويل من الشاعر أيمن أبو الشعر، وبإبداع واضح من الملحن معن دوارة الذي غاص كما يبدو في عمق الرؤى الشعرية واستنطقها، والمطربة المبدعة لانا هابراتسو التي تقمصت روح الشاعر وغنت بمواجعه.
ولكن لا بد من الإشارة إلى أن لهذه القصيدة القصيرة النوعية بالذات تاريخ وبصمات تؤكد ليس فقط قناعات أيمن الإنسانية بوحدة الشعوب ووحدة معاناتها، بل وأيضا تؤكد كبرياء هذه الشعوب، وحتمية انتصار صمودها الأسطوري. ولنتوقف هنا قليلا. القصيدة استلهمها الشاعر عملياً من صمود الشعب الروسي في لينينغراد إبان الحصار النازي الرهيب على المدينة، ثم أداه بنفسه سنوات حصار بيروت حين كان يعزفه على عوده بداية الثمانينيات إبان الحصار في اللقاءات الطلابية في موسكو، فبدا وكأنه كتب عن هذا الحصار بالذات آنذاك، وضاع المخطوط زماناً طويلاً إلى أن عثر عليه، ونشر القصيدة في مجموعته الأخيرة تغريبة أهل الشام.
المهم في الأمر أن أيمن أبا الشعر تنبه لهذه القصيدة الإنسانية، ومدى مطابقتها تماماً لحصار غزة، وبعد أن أصيب بإنسولت عطل إمكانية استخدام ثلاثة أصابع من يده اليمنى للعزف على العود قرر إعادة تلحينها، فكلف الملحن معن دوارة والمطربة لانا هابراتسو بتنفيذ هذه المهمة التي باتت تعكس تقريباً يوميات ما يجري في غزة، ولم يخطر على بال الملحن أو المطربة أن نشيد الحصار هذا انطلق من لينينغراد، ثم تجانس بعد حين مع حصار بيروت، بل تخيلا أن الشاعر كتب النشيد انطلاقاً مما يجري الآن في غزة، الآن تحديداً، والأمر واضح وجليّ: إذاً المعاناة الإنسانية في كل مكان ولدى مختلف الشعوب، في فييتنام أو في لينينغراد أو بيروت أو قناة السويس، بل في أي بقعة في العالم حتى منذ حصار طروادة هي معاناة إنسانية تمس كل البشر، والخلاص منها مرهون بكل البشر، ولهذا جاء هذا الشعار المعبر الهائل في نشيد الحصار –من كوة الخراب والدمار سيصمد البشر!!! أيها الثلاثي الإبداعي الجميل لك خالص التحية وإلى مزيد من العطاء. غزّة فعلاً رمز للعزّة.
رابط الأنشودة: