ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى

رعد مسعودي:

في ظل أوضاع دولية معقدة، نتيجة محاولات الولايات المتحدة الأمريكية السيطرة على العالم، خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، عبر إشعال الحروب والتدخل في الشؤون الداخلية للكثير من بلدان العالم تحت ذرائع ومسميات مختلفة، ومحاولات الضغط المستمرة على الدول التي لا  تجري في الفلك الامريكي ومحاولة فرض (صفقة القرن) على الدول العربية، لتصفية القضية الفلسطينية، وفي ظل العدوان الإسرائيلي الهمجي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، للقضاء على المقاومة وتهجير شعبها، تأتي أهمية الاحتفال بالذكرى ١٠٦ لثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى  كأعظم حدث في التاريخ العالمي المعاصر.

هذه الثورة التي انتصرت بقيادة البلاشفة الروس وزعيمهم لينين، استطاعت تغيير مجرى الأحداث العالمية، من خلال القضاء على عصر الرأسمالية وتدشين عصر الثورات والانتقال إلى الاشتراكية وبناء أول دولة للعمال والفلاحين.

هذه الثورة جعلت عشرات الملايين من الفلاحين، الذين لم يملكوا سوى المحراث والمنجل والبقرة، يتعلمون، فأصبحوا يقودون الآليات، ومنهم من أصبح معلماً ومهندساً وأكاديمياً وضباطاً في الجيش ورواد فضاء، وأصبح الاتحاد السوفييتي أكثر دولة متعلمة في العالم.

يقولون: البلاشفة خربوا البلد.. كان يوجد في كل قرية كنيسة.. جاء البلاشفة وبنوا في كل قرية مركزاً ثقافياً ومستوصف!

لقد وقفت ثورة أكتوبر الفتية مع تطلعات الشعوب من أجل التحرر والعدالة الاجتماعية، ودعمت نضالها من أجل تحقيق أهدافها.

إن انتصار ثورة أكتوبر في بلد زراعي متخلف واجه صعوبات جمّة، من أمية متفاقمة وفقر مدقع منتشر بين أغلبية المواطنين، فقد بلغت نسبة الأمية أكثر من ٧٥٪. بدأ البلاشفة ثورة جديدة تماماً، من خلال محاربة الأمية وبناء المدارس والمعامل والمصانع، واستطاعت روسيا البلشفية عام ١٩٣٦ القضاء الكامل على الأمية.

ومن الصعوبات التي واجهت البلاشفةَ الثورةُ المضادّة والحرب الأهلية التي حصدت أرواح نحو ثمانية ملايين شخص خلال فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز ثلاث سنين، وجاء بعد ذلك الهجومُ النازي لتدمير البلد الاشتراكي الأول في العالم واحتلاله.

إن الانتصار على طاعون العصر – الفاشية، الذي كلّف حياة نحو ٢٥ مليون شخص، عدا الجرحى والملايين من المعاقين والملايين من الذين أصبحوا دون مأوى، إضافة إلى تدمير أكثر من ثلثي الاقتصاد.

لقد دمرت الحرب ١٧٠٠ مدينة و٦٥٠٠٠ قرية ونحو ٧٥٠٠٠ من الجمعيات الفلاحية والتعاونيات الزراعية، ثم بدأت عملية بناء جديدة للنهوض بالبلد من جديد.

إن دولة ثورة أكتوبر دعمت وساندت حركات التحرر في العالم ومنها بلدنا الحبيب سورية، فقد كان أول (فيتو) استخدمه الاتحاد السوفييتي في الأمم المتحدة لصالح سورية، وبذلك ساهم في استقلالها وشكّلت هذه الخطوة اللبنة الأساسية في العلاقات السوفييتية السورية، التي تطورت لاحقاً لتوقيع اتفاقية تعاون مشترك في عام ١٩٥٧، بدأ على أساسها العمل في الكثير من المشاريع الحيوية للاقتصاد السوري.

وقد كانت من نتائجها اكتشاف النفط والتنقيب عنه من قبل الخبراء السوفييت.

لقد ساهمت الاتفاقيات الموقعة مع السوفييت في بناء قاعدة اقتصادية ضخمة في سورية، كان على رأسها البدء بإنشاء سد الفرات الذي أمّن الكثير من المياه لاستصلاح الأراضي وريّها، وبدأ بعدئذٍ بناء العديد من المحطات الكهرومائية لتأمين الطاقة، ومُدّت آلاف الكيلومترات من السكك الحديدية وغير ذلك من مشاريع.

والأهم كان تقديم الدعم العسكري وتجهيز الجيش الوطني، وقد ظهرت نتائج ذلك في حرب تشرين التحريرية في عام ١٩٧٣، فقد استطاع الجيش السوري تحرير جزء مهم من الأراضي السورية المحتلة.

تطور العلاقات السورية مع دولة أكتوبر تُوّج بتوقيع معاهدة الصداقة والتعاون المشترك في عام ١٩٨٠، قدّم السوفييت على أساسها الدعم الكبير الذي تكلل بإعداد رائد الفضاء السوري محمد فارس وإرساله إلى الفضاء مع مجموعة من رواد الفضاء السوفييت.

ما زالت محاولات تشويه المعنى التاريخي لثورة أكتوبر الاشتراكية مستمرة في العالم بشكل عام وفي روسيا (المعاصرة) بشكلٍ خاص، وسوف تستمر ما دامت الرأسمالية وأدواتها موجودة، خاصة في ظل الانقسام الحاد في المجتمع بين الشعب و(النخبة)، التي تسعى إلى تشويه الماضي السوفييتي وتزويره من خلال حشد أعمال دعائية كاذبة تنشرها القوى الليبرالية، التي ما زالت تحتفظ بمواقع مؤثرة في السياسة والاقتصاد وفي المجال الإعلامي والثقافي، فهم يحاولون إلغاء الدور التاريخي للشخصيتين البارزتين لينين وستالين.

(في عام ١٩٤٥، كان عدد سكان الاتحاد السوفييتي ١٦٧ مليوناً، عند الانهيار بلغ ٢٩٦ مليوناً، اي بزيادة نحو ١٣٠ مليون خلال ٤٥ سنة).

ستبقى ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى أهم وأفضل تجربة إنسانية في تاريخ البشرية، لما قدمته للإنسان خلال عشرات السنين، بالمقارنة مع الرأسمالية بالرغم من كل المصاعب.

المجد كلّ المجد لكل من ساهم في نشوء وبناء هذا الصرح الإنساني الذي لم تعرف البشرية مثيلاً له، بالرغم من انهيار (تفكيك) دولة أكتوبر نتيجة تكالب قوى الإمبريالية العالمية وتعاونها مع الخونة والعملاء في داخلها مثل غورباتشوف وزمرته.

العدد 1105 - 01/5/2024