ما هدف الحرب الدائرة على سورية وفلسطين اليوم؟

 إبراهيم الحامد:

لم يعد خافياً على عاقل الذرائع الهشّة وغير المنطقية، التي تُشعَل على أساسها الحروب المدمرة للمجتمع البشري، وإعادة ترسيم الخرائط للعالم، ولربما يكون لمن يريد أن يشعلها دورٌ في خلق تلك الذرائع بأدواتها أو التسهيل لها، فعلى مرّ التاريخ حدث مثل ذلك ويحدث اليوم.

لذا يجب ألّا تكون مجابهة الحرب الدائرة اليوم في كل من سورية وفلسطين، بجَلد مَن نظنّه قد قدّم الذرائع للأعداء، ولومِه، أو تحميله مسؤولية ما يحدث، لأن الحرب قائمة قائمة، بتلك الذرائع أو من دونها، لذا من الضروري تأجيل النقاش فيها، والعمل على تمتين الجبهة الداخلية ووحدة شعوب المنطقة لمجابهة هذه الحرب، التي تستهدف تهجير الشعوب الأصلية من أوطانها، وإعادة ترسيم خريطتها من جديد، هذه الحرب (الصهيوتركية) وداعميها وأدواتها المحليين، التي اشتعل فتيلها في المنطقة العربية على إثر إشعال بوعزيزي التونسي النار بنفسه، فأثار (ثورات الربيع العربي) التي كانت حقّاً أريد بها الباطل، لأن شعوب المنطقة كان لها الحقّ في انتفاضاتها بوجه حكامها وأنظمتها الاستبدادية، ومطالبتها بالإصلاحات السياسية والاقتصادية وتحسين وضعها المعاشي ومنحها الحريات وحفظ كرامتها وتحقيق العدالة الاجتماعية.

وبعيداً عن الخوض في تحوّلات ما سمي بـ(الربيع العربي) على مدى ما يقارب ثلاث عشرة سنة، وهي باتت معروفة للقاصي والداني، ولست بصدد الخوض فيها بقدر ما أنا بصدد الحديث عما وراء تلك الحرب وضرورة مجابهتها، وقد بدأت تتكشف على إثر الحرب الممنهجة التي تشنها قوات الاحتلال التركي على شمال وشمال شرقي سورية، والتي أدت لتدمير البنية التحتية وبث الرعب وخلق عدم الاستقرار فيما بين سكانها، ودفعهم للنزوح والتهجير إلى خارج سورية أو إلى عمق المناطق الداخلية، لأكثر من ثلاثين كيلو متراً عن الحدود التركية السورية الدولية، وكل ذلك بذريعة (تفجير انتحاري قبيل قدوم أردوغان لمبنى وزارة داخليته)، والادعاء بأن الانتحاريين قدِموا من الحدود السورية والمعروفة بمدى تحصينه ومراقبته من قبل الأمن التركي واستخباراته، واتهام (قسد) بذلك وقسد تعتبرها تركيا أنها امتداد لـ (pkk) المشمولة بقائمة الإرهاب لدى تركيا، وحليفتها الأمريكية التي تتعاون مع هذا الامتداد وتتحالف معه تحت غطاء (محاربة داعش). ومما زاد في الطين بلة (تبنّي) (pkk) ذلك التفجير، الذي (تذرعت به تركيا) التي يفترض بها أن تحل أزمتها الداخلية الخاصة بشأن قضية الشعب الكردي لديها، الذي يزيد عن عشرين مليون نسمة، والتفاوض مع ممثلي هذا الشعب بما فيه حزب العمال الكردستاني، بعد أن تجاوز عمر قضية الشعب الكردي في تركيا مئة عام، ولم تنطفئ جذوتها، ولن تنطفئ ما لم يمنح هذا الشعب حقوقه المشروعة وفق القانون الدولي وشرعة حقوق الشعوب والمواثيق الإنسانية، ويترتب على تركيا وحلفائها الدوليين اليوم العودة لمعاهدة سيفر، التي وقعتها دول المركز ومنها الدولة العثمانية على إثر هزيمتها في الحرب العالمية الأولى أمام الحلفاء، فقد دعت الصحف والجمعيات الكردية آنذاك إلى استقلال كردستان عن الدولة العثمانية وتأسيس دولة كردية، وهي الاتفاقية التي نالت بموجبها أيضاً البلاد العربية استقلالها بقيادة الشريف حسين، الذي تعاون مع الإنكليز لمحاربة العثمانيين وطردهم من البلاد العربية، ولقد طالبت بريطانيا وقتذاك: (بتحرير الشعوب الخاضعة للدولة العثمانية)، والتقى قادةٌ وضباطٌ إنكليز مع زعماء الشعب الكردي لمعرفة موقفهم من عرضهم بفصل كردستان عن تركيا، إلا أن بريطانيا ومن بعدها أمريكا قد خذلتا  الشعب الكردي وما زالتا تخذلانه، ومع ذلك لم يتّعظ قادة الشعب الكردي، بل ظلّوا مشتّتين بين هذا وذاك، ومتمسّكين بوهم الوعود (البريطانية والأمريكية)، ناسين أن أمريكا وبريطانيا وحلفاءهما لا يهمّهم في المنطقة سوى حماية الدولة الإسرائيلية أولاً، والتركية التي هي عضوٌ في حلف الناتو ثانياً.

ألا يدفع تزامن إشعال الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، مع الحرب التركية على الشعب السوري وخاصة الكردي منه إلى التساؤل عمّا يربط بين تركيا وإسرائيل وداعميهما والهدف من هذه الحرب؟! تلك الحرب الموجهة إلى مصر عبر بوابة غزة، والتي امتدت باتجاه لبنان وسورية، والتي تمارس فيها إسرائيل التدمير الشامل والممنهج لإفراغ المنطقة من سكانها، بذريعة أن (حماس هاجمت الداخل الإسرائيلي وقتلت وأسرت جنوداً ومدنيين إسرائيليين (تلك الهجمات التي أدانتها كل الدول الداعمة لـ(الدولة الإسرائيلية) علناً وسراً وأسرعت لنجدتها، علماً أن القانون الدولي والقرارات الدولية تجيز لكل شعب أرضُه محتلة أمن يسعى لتحريرها بالمقاومة وبكل السبل العسكرية والدبلوماسية الممكنة، ورغم ذلك فإن كل (الهيئات الدولية ومنظماتها وهيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي) المؤتمرة بأمر الدول العظمى متحيّزة لإسرائيل وتركيا، وهي تغضّ الطرف وتسكت عما يرتكبه هذان الكيانان اليوم من مجازر إبادة وتهجير قسري بحقّ الشعب الفلسطيني في غزة وعموم فلسطين، وكذلك بحقّ الشعب السوري في شمال شرقي سورية، باستخدام قانون القوة بدل قوة القانون الدولي! وممّا يؤسف في الأمر، مازال قادة هذين الشعبين يتبادلون التُّهم بالخيانة والتآمر، وكأني بهم ينفّذون أجندات التجزئة والفرقة، بدل التضامن والوحدة والالتفات إلى ما يُحاك من تآمر، واستدعاء المشاريع القديمة الجديدة للإبادة والتطهير العرقي وهضم الحقوق وتغيير خريطة شرق الأوسط.

ومن تلك المشاريع التي تسعى تركيا من خلالها جاهدة وبدعم أمريكي، هو ما يُسمّى: (الميثاق الملّي العثماني)، المتضمّن أحقية تركيا في استرجاع كلٍّ من حلب والشمال السوري، وولاية الموصل (في العراق) التي تتبع لها الجزيرة السورية، إضافة إلى كردستان العراق، وتطهير تلك المناطق من سكانها الأصليين بالإبادة والتهجير، وضمها لدولته (العثمانية التركية) وإنهاء ملفّ القضية الكردية لديها إلى الأبد.

وفي الوقت ذاته تسعى إسرائيل لإنهاء قضية الشعب الفلسطيني، باستدعاء مشاريعها القديمة الجديدة كـ(صفقة القرن) أو غيرها، والتي من شأنها تفريغ غزة وعموم فلسطين من العرب، بالإبادة ودفعهم للهجرة إلى صحراء سيناء المصرية، إضافة إلى تطهير الجنوب السوري واللبناني حتى تحقق الحلم الوهمي في (الدولة الاسرائيلية من النيل إلى الفرات) وسيظل ذلك حلم للكيان الصهيوني، لان ثورة الشعب الفلسطيني وبدعم من قوى التحرر الوطني والأممي لن تنطفئ جذوتها حتى تحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس .

وها قد اتضحت أهداف هذه الحرب المشتعلة منذ ثلاثة عشر عاماً في سورية، والهادفة لإعادة رسم الخرائط الجديدة بعد مضي ما يزبد عن مائة عام على اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور وإنشاء كل من الدولة التركية والاسرائلية بموجبهما على أنقاض شعوب منطقة شرق الأوسط عامة والشعب العربي الفلسطيني والكردي بخاصة .

واليوم يتوجب على هذه الشعوب المضطهدة والمحتلة أراضيها من قبل هاتين الدولتين، التعاون والتضامن والوحدة في مجابهة مشاريع هذه الحرب (الاسرائلية التركية ( والمدعومة أمريكياً،وترتكب بحق هاذين الشعبين ما يمكن وصفها بجرائم حرب دولية وفق القانون الدولي وهيئاتها ومحاكمها،والتي تحرم المس بالبنية التحتية أو تهجير قسري للمدنيين أو قتلهم في حالة الحروب، ويجب ان يكف قادة الشعبين المضطهدين عن اللهاث وراء الأوهام الأمريكية، وعليهم العمل للضغط على الهيئات الدولية ومنظماتها الحقوقية التي تديرها (الدول العظمى ( المتشدقة بالحرية والديمقراطية وحق الشعوب في تقرير مصيرها (،دون أن تحرك ساكناً .

وليكن بعلم الأمم المتحدة وجميع الهيئات الدولية والمنظمات الحقوقية والدول العظمى، بأن لا استقرار ولا سلام في شرق الاًسط والعالم في ظل استخدام قانون القوة لإدارة العالم، وما لم يتم اللجوء إلى قوة القانون الدولي والمواثيق الدولية لحل قضية الشعب الفلسطيني وقضية الشعب الكردي حلاً عادلاً، بمنحهما حقوقهما المشروعة، وحقهما في تقرير مصيرهما، وليعلم الجميع إن إرادة الشعوب لن تقهر أمام الطغاة مهما بلغت قوتهم ومهما طال ظلمهم ومهما كسبوا من حروب في مواجهة الشعوب المضطهدة، وإن النصر دوماً حليف الشعوب المضطهدة والمقاومة، وإن الهزيمة سيلحق بالمعتدين والظالمين في نهاية كل حرب، وما على تلك الهيئات الدولية والمتسلطة عليها الا أن تلتزم بتنفيذ القرارات الدولية وتعيد الحقوق لأصحابها قبل وقوع كوارث الحروب والتي لن ينجو منها أحد.

 

العدد 1105 - 01/5/2024