طوفان الأقصى.. هجوم أعاد للعرب هيبتهم

تهامة الدعبل:

لا داعيَ للمقدمات في حديثنا اليوم، فقد قُدِّم له بما يكفي، 75 عاماً عاشها الفلسطينيون عموماً وأهل غزة اليوم يعانون فيها ويلات الاحتلال والظلم، سنوات كانت كفيلة ليكون في عقولنا مقدّمات كافية عن هذا الأمر، 75 عاماً فترة طويلة جداً على شعب ليتحمل خلالها القصف والخوف والذعر والأسر وشتّى أنواع الانتهاكات، أليس كذلك؟

أيُّ شعب جبّار هذا الذي تحمَّل ما تحمَّله وبقي صامداً؟ أيُّ أمٍّ هذه التي حملت ابنها مرةً في رحمها ومرةً في كفنه وما زالت تواجه بكل ما أوتيَت من شجاعة وبسالة؟ شعب رضع الكرامة مع الحليب منذ ولادته لن يكون هذا الصمود كلّه غريباً عنه.

(كبر أطفال الحجارة يا إسرائيل)، عبارة انتشرت كالنار في الهشيم في الفترة الماضية، نعم! فذاك الطفل الذي جابه الدبابات الإسرائيلية بالحجارة، كبر وعاد طوفاناً أذلَّ رقاب العدو، عاد بغارة برية بحرية جوية تُحسَبُ له وستدخل التاريخ من أشرف وأوسع أبوابه، غارة ردّت للعرب اعتبارهم بعد ما كان قد نُسيَ تماماً.

وما يلفت النظر في عملية طوفان الأقصى هو التخطيط الذي لم يسبق له مثيل في تاريخ المقاومة الفلسطينية، وعلى الرغم من معرفة رجال المقاومة بأنَّ ردَّ إسرائيل عليهم لن يكون سهلاً، إلاَّ أنهم لم يحسبوا حساباً لشيء آخر إلاَّ للكرامة وحدها.

(والله لو ما منلاقي حدا يدفنّا ما منساوم)، عبارة ردّدها شاب فلسطيني فقد عدداً لا يُستهان به من أفراد عائلته في غارات الاحتلال الصهيوني، وعلى الرغم من ذلك لم ولن يتنازل عن شبر واحد من أرضه حتى آخر قطرة دم تجري في عروقه.

لكنَّ السؤال الحاضر في ذهني منذ بداية هذه المعارك حتى اليوم: أين هو المجتمع الدولي ممّا يجري في غزة اليوم؟ وأين هي منظمات حقوق الإنسان؟ ألا يُعَدُّ ما ترتكبه قوات العدوان الإسرائيلي انتهاكاً بحق البشرية والإنسانية؟ أين هي الحكومات العربية من كل ما يجري؟ نرى اليوم شعوباً بأكملها انتفضت لمناصرة فلسطين، في الوقت الذي لم نجد فيه كلمة واحدة قالها أحد الحكّام، ويا له من أمر مخجل أن تكون خاتمة تاريخنا العربي على هذه الشاكلة، فالناظر إلى تاريخ العرب منذ العصر الجاهلي سيرى أن من أهم سمات الرجل العربي هو تحلّيه بالنخوة والمروءة والشهامة والكرم، ومن أهم عاداتهم إكرام الضيف وإغاثة الملهوف، وبقي حال المجتمع العربي على هذه الحال حتى نهاية العصر العباسي واختلاط الأعاجم بالعرب وتسلمهم عجلة القيادة العالمية، إلى أن بدأنا نشهد الانتهاكات والظلم والعنصرية واللاإنسانية تنتشر في العالم كله حتى باتت (إغاثة الملهوف) كلمة تدعو للسخرية والاستهزاء، ثم قاموا بإنشاء منظمات تحارب الظلم والعنصرية وتظاهروا باحترام الإنسان وحقوقه، وبتنا نحن المجتمعات الجاهلة المتخلفة التي لا تحترم الإنسان ولا الإنسانية بنظر الغرب، بمعنى أنه كما يقول المثل الدارج: (ضربني وبكى، سبقني واشتكى) حتى بتنا نخجل بأنفسنا وبنسبنا العربي، وباتت المقولة الأكثر انتشاراً أننا (الأمة التي ضحكت من جهلها الأمم).

من المؤسف والمخجل حقاً أن يعيش شعبٌ عربي بأكمله هذا القهر كله ونقف متفرجين -نحن الذين يشهد لنا التاريخ بكرامتنا- فقط لأنه لم يُسمَح لنا بالتدخل، فلماذا علينا انتظار الإذن أساساً؟ وهل ينتظر الأخ إذناً ليناصر أخاه؟!

في هذا المقال وددتُ طرح الأسئلة لا الإجابة عنها، فقد نفدت الكلمات وجفَّ حبر أقلامنا، وسأترك الإجابة برسم الجميع وأولهم وأهمهم المعنيون بالأمر من الساسة والقيادات، لعل التأمل ورحلة البحث عن الإجابات يكون نتاجها فعلاً حقيقياً يُمكِّننا من أن نقول للعالم كله بالفعل لا بالقول من هم العرب، وما معنى أن تكون عربياً.

العدد 1105 - 01/5/2024