في كل عواصم هذا الوطن العربي.. قتلتم فرحي! | مظفر النواب

أحمد ديركي:

لم تكن القضية الفلسطينية يوماً خارج الفكر العربي والإقليمي والأممي. فالقضية الفلسطينية تمثل قضية تحرر شعب من استعمار في العصور الحديثة المدعية بانتهاء عصر الاحتلال. فالاحتلال لبلد ما حالياً لا يمكن تصوره بسبب ما وصلت إليه البشرية من تطور في مفاهيم الحرية والاستقلال وتقرير المصير… وما إلى هناك من مفاهيم ترتبط بها. إلا أن الكيان الصهيوني وبمباركة وحماية من أقوى الأنظمة السياسية في العالم، ومن يدور في فلكه من أنظمة عربية وما أكثرها، أتى واحتل فلسطين وأقام عليها دولته العنصرية وطرد وهجر الشعب الفلسطيني.

قاوم الشعب الفلسطيني هذا الاحتلال، وقاومت الأنظمة العربية هذا الاحتلال، فكانت الحرب العربية – الإسرائيلية، وهذا دليل على مدى رفض هذه الأنظمة العربية لهذا الكيان المحتل، وكذلك مقاومة الشعب الفلسطيني المدعوم من الشعوب العربية دليل أيضاً على رفض هذا الاحتلال.

إلا أن تغيرات عالمية حدثت، فبدأت الأنظمة العربية تنسحب من القضية الفلسطينية واحدة تلو الأخرى. فعملت هذه الأنظمة المنسحبة بداية على محاولة إقناع شعوبها بأن القضية الفلسطينية مجرد قضية فلسطينية داخلية، وأن ما كان في السابق لم يعد كما هو الحالي. فذهبت إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني فاتحة له أبوابها ليدخل إليها وينهي حالة الحرب معه، ويسمح لسكان الكيان المحتل أن يدخل إلى أراض عربية ويتجول فيها بأمن. في الوقت الذي يقتل ويعذب فيه الشعب الفلسطيني من قبل سكان الكيان العنصري. والمفارقة في الموضوع أنه يحق لسكان الكيان المحتل أن يدخلوا ويصولوا ويجولوا وبحماية أمنية في أرض دول عربية عقدت معاهدات سلام معه، ويمنع مواطن هذه الدول (العربية) من دخول أرض فلسطين!

قبلت بعض الأنظمة العربية فعل الخيانة للقضية الفلسطينية بينما شعوبها لم تقبل، فكان القمع سيد الموقف. وكرت السبحة في السنوات السابقة فأصبح التطبيع مع الكيان الصهيوني أمراً اعتيادياً، وكأن من لم يلحق بقطار التطبيع أصبح (متخلفاً)، و(همجياً)، وغير متمدن وضد (السلام)… وألف ألف صفة سلبية.

هرولت معظم ما تبقى من الدول العربية للتطبيع مع الكيان الصهيوني والكيان الصهيوني يكمل العمل على تصفية القضية الفلسطينية وشعبها، وهذه الدول العربية تباركه بطرق مباشرة وغير مباشرة.

قد يكون السؤال المحرج هو: ماذا تستفيد الأنظمة العربية من التطبيع؟ سؤال نترك الاجابة عليه للخبراء وأكيد ليس الخبراء التابعين والمعتاشين على فتات الأنظمة.

قمع، قتل، تهجير، استباحة أراض.. يرتكبها يومياً الكيان الصهيوني بحق فلسطين وشعبها، والأنظمة العربية متلهية بشؤون أتفه من أن تقال، وهنا يمكن العودة إلى مظفر النواب فقد أجاد توصيف واقع الأنظمة العربية حين قال في قصيدته: (القدس عروس عروبتكم.. فلماذا أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها؟؟ ووقفتم تستمعون وراء الباب لصرخات بكارتها.. وسحبتم كل خناجركم وتنافختم شرفاً.. وصرختم فيها أن تسكت صوناً للعرض فما أشرفكم!).

والمضحك أن كل الأنظمة العربية المطبعة وتلك اللاهثة للتطبيع (تتغنى) بالقضية الفلسطينية وتقمع شعوبها باسم فلسطين، وعندما تهب شعوبها لنصر فلسطين يكون الحال (سحبتم كل خناجركم وتنافختم شرفاً…).

فها هي ذي فلسطين اليوم وشعبها في الداخل الفلسطيني تهب وتثور ضد الكيان الصهيوني، ولن ندخل هنا في مسألة من يقود هذه المقاومة وما هدفه السياسي، والأنظمة العربية ما زالت متلهية بصياغة بيانات واستنكارات، حتى إن بعضها لا يجرؤ على صياغة بيان استنكاري! والحقيقة (لست خجولاً حين أصارحكم بحقيقتكم)، فالقمة العربية التي عقدت من أجل فلسطين، طبعاً هنا الأنظمة العربية لم تعد تتحدث عن فلسطين بل تتحدث عن متبقيات فلسطين وعلى رأسها المهيمن الكيان الصهيوني، كان فعلياً أكثر دعماً للكيان الصهيوني من إدانته الشكلية! ففي مسودة البيان التي لم تتحول إلى بيان (رسمي) هناك بند ينص على:

إدانة الهجمات على المدنيين من الطرفين!

يا لهول خيانة الأنظمة العربية ويا لفخر شعوبها وشعب فلسطين! فهل هذه الشعوب المقاومة بحاجة إلى أنظمة كهذه خائنة أو حتى لجامعة عربية تجتمع بها كل أطراف الخيانة بحق القضية الفلسطينية؟

فما يفعله الكيان الصهيوني جريمة ضد الإنسانية، فهو يحتل أرض فلسطين ويقتل شعبها بأبشع أنواع الأسلحة الأمريكية الصنع، ومنها الفسفور الأبيض، ويقصف غزة براً وبحراً وجواً، ومسودة بيان الجامعة العربية تضم بنداً (إدانة الهجمات على المدنيين من الطرفين). كيف لهذه الجامعة العربية الممثلة للأنظمة العربية أن تساوي بين الصهيوني المحتل، والشعب الفلسطيني المقاوم والشعوب العربية الرافضة للكيان وأنظمتها! المملكة العربية السعودية اللاهثة وراء التطبيع والتي زارها وفد سياحي صهيوني بدعوة رسمية منها تقول إنها (تتريث في التطبيع)! لمَ التريّث ما دام الصهاينة يصولون ويجولون في المملكة في عاصمتها الرياض. فلتعلن عن تطبيعها فالخيانة للقضية الفلسطينية لم تعد عاراً بنظر الأنظمة، بل فخراً لها لذا كما يقول مظفر قد وصلنا إلى مرحلة أقل ما يقال فيها (سنصبح نحن يهود التاريخ
ونعوي في الصحراء بلا مأوى).

هنا نقول: يا مظفر النواب، فعلاً إن الأنظمة العربية قتلت فرحي، لكن المقاومة العربية والشعوب العربية الرافضة للكيان الصهيوني أحيت فرحي. فهل لهذا الفرح أن يكتمل؟

العدد 1104 - 24/4/2024