في اليوم العالمي للمسنين

وعد حسون نصر:

صادف يوم الأول من شهر تشرين الأول الجاري اليوم العالمي للمسنّين، فماذا يعني هذا اليوم الجديد في حياة المُسنّ العربي بشكل عام والسوري بشكل خاص؟

لا أظن أن هذا اليوم معروف لدى المُسنّين العرب ولا لدى مُسنيّ بلادي، فهو يوم عادي يمرُّ مُحمّلاً بالشقاء كأيامهم جمعاء، مُحمّلاً بالآلام وقوارير الدواء، بصور مُعتّقة بالذاكرة للأبناء المهاجرين خلف الحدود في أرجاء العالم، يمرُّ بأمنيات اللقاء بالأحبة، بأمنيات الشفاء من أوجاع السنين، يمرُّ مُحمّلاً بهموم تأمين مصاريف الحياة من طعام ولباس ودواء، فكيف لهم أن يعرفوا أنه في هذا اليوم يحتفل العالم المُتحضّر بمُسنّيه؟ لا حلوى العيد مزينة بالسكر ولا فاكهة العيد تقطر بحلو المذاق، غمر الحزن وجوههم ونسوا أن لهم في الحياة عيداً للابتهاج بعدد سنوات البقاء والعطاء، باتت أيامهم تشبه التجاعيد على وجوههم، فمع كل حزن يظهر خط جديد يذكّرهم بقسوة الحياة، الشيء الوحيد المُفرح في حياتهم العودة للماضي لأيام كلها شقاء، لكن من كثرة شقائهم في هذه الأيام بات الماضي رغم شقائه يحمل معه أجمل الذكريات، يحمل سهراتهم حول القنديل يروون حكايات نهوضهم في الصباح الباكر للحقول عنوان رواية المغامرات، طبخة الأرز المزيّنة بملعقة السمن وحفنة اللوز أكلتهم الفاخرة وقمّة الرخاء، كأس الحليب الساخن وقطعة الكعك رفاهية السهرة وضيافة الأثرياء، حتى خصلات العنب وحبّات التين والتفاح من كرومهم عنوان المجد ليبدو من أصحاب الحقول ولهم ممتلكات. أمّا اليوم، فقد غدا حاضرهم شقاء، أبناؤهم تركوهم لشقاء الذكريات، كأنهم لم ينجبوا لكبرتهم سنداً ولا لمرضهم معيناً يحمل لهم حبة دواء، ولا يملكون ثمن طعامهم ولا حتى رفاهية الحلوى، أو بعض خصلات العنب والتين والتفاح، أقدامهم باردة هجرتها جواربهم الملونة عنوان الدفء بالشتاء، ثيابهم رقيقة، فأين ألوان الصوف الترابية والخضراء التي تحمل معها عنوان سني البقاء كأنهم أشجار مُعمّرة في الأرض؟ فمع كل غرزة يفوح عبق الماضي بأجمل الذكريات، أين طاقية الصوف المُلبّدة على رأس الجدّ، ورائحتها كأنها رواية قديمة بمجرّد إزالتها عن رأسه تُخبرك خصلات شعره الأبيض كم عبثت بأفكاره مغامرات الشباب! أين منديل الرأس الحاضن جدائل جدّتي الرمادية تنثرهم كل صباح بمشطها العاجي تُردّد أغاني الصبا، وكأنها مازالت عروساً تريد أن تخبر جدي أنها ستُّ النساء، فشعرها الكثيف مازال يرقص له مع نسمات هواء الصباح!

مع غياب هذه التفاصيل لا أظنُّ أن المُسنّ في بلدي يدرك أن له عيداً خُصّص للاحتفال به، فيُشعل على قالب الحلوى شمعة ربما نورها يعيد له ذكريات جميلة تنسيه هموم الحياة. المُسنُّ في بلدي لا يعرف من يومه إلاَّ كيف سيعبر لليوم التالي دون أن تكسره أثقال الحياة، يعبر بسلام ومعه حبّة الدواء ورغيف الخبز وقبلة يطبعها على صورة الحائط على جبين أحد الأبناء المهاجرين في أصقاع الأرض مُتمنيّاً اللقاء، وعند النهوض في اليوم التالي يحمد الله أنه مازال على قيد الحياة ريثما تحلُّ فترة الظهيرة ليتمنى أن يعبرها لليوم التالي بسلام. هكذا تمرُّ وسنين المُسنّ في بلادي، تسبيحٌ وحمدٌ للبقاء وأمنياتٌ للقاء، ونوم بسلام حتى يعبر الليل بخير للصباح، فهي مُكرّرةٌ كلها شقاء، لا طعم للحلوى ولا عيد لاسترجاع الذكريات!

العدد 1104 - 24/4/2024