الثقافة هوية وانتماء لوطن يتسع للجميع*

أشكر الثقة الكبيرة التي منحني إياها الأستاذ منذر عطفة (مدير المركز الثقافي العربي في مصياف)، بالدعوة للمشاركة في هذه الندوة التي لا شك أنها تحمل عنواناً عريضاً ومهماً.

علي شوكت:

سأحاول في هذه العجالة أن لا أقع في أدلجة أو تأطير الموضوع خاصة أنني من تيار سياسي يحمل فكراً ومبادئ يسارية.

(الثقافة) هي كل متكامل متعدد ومعقد يشتمل على مجموع العلوم والمعرفة والفنون والأدب والعادات والتقاليد والقيم الإنسانية والقانونية من حقوق وواجبات، وهي تراكمية بطبعها تنتج عن جميع ما أفرزه المجتمع عبر تاريخه وهي المَعبر الأول والوحيد للدخول في سلسلة التكوين الحضاري والتمدني للمجتمع، التي يكتسبها الإنسان كعضو فاعل في المجتمع يؤثر ويتأثر بمن حوله.

والهوية الثقافية هي الشعور بالانتماء العضوي لمجموعة بشرية ما وهي المفهوم الشخصي الذاتي المرتبط بشكلها الاولي للمجتمع عبر تكويناته المتعددة إثنياً ودينياً وعقائدياً والطبقة الاجتماعية والأرض وهي التي تشكل تعبيراً أولياً عن الوطن.

والثقافة ليست مادية فحسب، لأنها تملك جانبين: مادي، ومعنوي. ومن الأشياء المادية في الثقافة: اللغة والفنون والآداب جميع الابتكارات بحيث تحتوي على أفكار واتجاهات معرفية عامة يتعلمها الفرد من خلال التواصل مع أفراد مجتمعه والواقع الاجتماعي. أما الجانب المعنوي فهو جميع الاعتقادات والقيم السلوكية.

ومن أهم خصائص الثقافة الميراث الاجتماعي من العادات والتقاليد والمعارف ضمن إطار المجتمع وقابلية تناقلها كون الإنسان هو الكائن الوحيد القادر على نقلها عبر سلوكه وعاداته لأقرانه في المجتمع والمجتمعات الاخرى المحيطة، من خلال اللغة والتي تعتبر من أهم العوامل الاساسية في هذا المجال.

ومن خصائص الثقافة أنها تعبر عن تنظيم جميع مظاهر الانفعال والفكر والسلوك الذي يُعَبر عنه باللغة بحيث يكون قادراً على توجيه سلوك أفراد المجتمع.

والمثقف هو الشخص القادر على إنتاج الأفكار الجديدة، أو لديه المقدرة على التعامل مع الأفكار القديمة التي أنتجها الفلاسفة والمفكرون وغيرهم ممن سبقوه وقادرٌ أيضاً على إعادة صياغة تلك الأفكار والقيم المكتسبة بإطار جديد والمقدرة على تطوير تلك الأفكار حسب التطور الزمني وتطورات العصر وحاجات المجتمع بما يخدم مجتمعه ووطنه.

ولا بد للدولة الوطنية من تعزيز الهوية الوطنية عبر الخصائص والسمات التي تتميز بها، وتترجم روح الانتماء لدى مواطنيها من خلال الحقوق المشتركة بحيث يتمتع جميع المواطنين بالحقوق ذاتها كحق التعبير عن الرأي وحق التعليم وحق العمل وحق التملك وحق العيش بكرامة وعزة وأمان فوق تراب وطنه وحق التأمين والضمان الاجتماعي له ولأسرته وحقه في العدالة الاجتماعية وغيرها الكثير من الحقوق.

وعليه أيضاً يجب على الدولة الوطنية أن تُعَرّف مواطنيها على واجباتهم للنهوض بمجتمعهم ووطنهم والدفاع عنه في كافة الظروف والازمات التي تحيق به.

ومن هذا المنطلق لا بد للدولة الوطنية المؤتمنة على حقوق الشعب والمجتمع من أن تتلاقى مع أبناء مجتمعها وأن تسهر على رعاية حقوقهم ومنافعهم وأمانهم واستقرارهم وتستجيب لمتطلبات عيشهم الكريم وتحقيق العدالة الاجتماعية والرفاه لجميع أفراد المجتمع.

وفي ظل تعمق الشرخ السياسي سواء على الصعيد الوطني الداخلي او الاقليمي والدولي. لا بد من تعزيز وتحصين الوضع الداخلي والبدء بصياغة عقد اجتماعي سياسي جديد يضم كل السوريين للوصول إلى توافق ميثاق وطني دائم ما فوق دستوري لا يمكن تغييره على المدى المنظور ودستور وطني يحمي ويصون جميع حقوق المواطنين وكرامتهم وعزتهم. يتساوى به الجميع بالحقوق والواجبات امام القانون. ولا بد أيضا من الدعوة إلى مؤتمر اقتصادي وطني يضم جميع القوى والعقول الاقتصادية في البلد من الأحزاب السياسية واللجان الاقتصادية وأساتذة الجامعات وغرف الصناعة والتجارة ودعوة جميع الفعاليات والشخصيات الاقتصادية إليه لمحاولة بناء رؤى وتوجهات تخرج البلاد والعباد من المأزق الاقتصادي الذي نمر به.

ولا بد أيضاً من الدعوة وبشكل عاجل لمؤتمر حوار وطني عام وشامل يضم جميع التيارات الوطنية والسياسية. للعمل على مشروع لقيام الدولة الوطنية الديمقراطية التعددية العلمانية وتكوين دولة المواطنة الحقة.

العدد 1105 - 01/5/2024