الصحة النفسية والعقلية أولاً

وعد حسون نصر:

الكثير منّا لا يُعير أيّ اهتمام لما يُسمّى الطب النفسي، تحت ذريعة أننا أصحاء ما دمنا نتعامل مع الأخرين دون أي ردة فعل غير طبيعية، ونستطيع التعلّم والتكيّف، كما يمكننا الذهب للعمل بشكل طبيعي، وممارسة حياتنا دون أي حركات غير مألوفة، فنحن نضحك في الوقت المناسب ونبكي في الوقت المناسب، نمارس نشاطاتنا، نقوم بواجباتنا مع أفراد المجتمع كما يجب، لدينا مشاعر حزن وفرح، نستطيع التمييز بين الأشياء، وندرك المتغيرات.. الخ.

لكن السؤال: هل هذا كافٍ لنُطلق على أنفسنا لقب أصحّاء من الداخل؟ ألم يُصَبْ أحدنا بصدمة عاطفية يوماً ما، أو خُذِلَ من قبل شخص لم يكن يتوقع منه الخذلان، أو حتى فشل بعمل أو دراسة وأصيب بصدمة ضعضعت مشاعره وأحبطته من الداخل ولو لفترة زمنية قصيرة؟ ألا يتطلّب منّا هذا اللجوء إلى شخصٍ مُختص والتحدّث إليه كي يرشدنا نحو السلوك السليم لتقويم حالتنا كي نعود كما كُنّا قبل أي تأثير؟

هنا، بالتأكيد لابدَّ من مراجعة طبيب مختص بالصحة النفسية، أو شخص خاض في مجال الدعم النفسي ولديه القدرة على التعامل مع وضعنا النفسي المُتضعضع بسبب ظرف ما، ومن الطبيعي أن يكون أهل الاختصاص لديهم الخبرة في تشخيص حالتنا وتقويم سلوكنا. فمن قال إن زائر الطبيب النفسي هو شخص مريض أو غير عاقل؟ هناك فرق كبير بين الحالة النفسية المرهقة وفاقد العقل الكلي، الشخص الطبيعي دائماً عرضة للإصابة بتعب نفسي لأنه مُدرك ويفكّر وينفعل ويحزن ويفرح ويغضب، أما غير العاقل والفاقد للعقل فلا يستطيع أن يبدي إلا شعور الفرح أو الغضب، لذلك السليم فكرياً أكثر عرضة للتعب النفسي، فلا عيب في زيارة الطبيب النفسي لكي نطمئن على صحتنا النفسية، ولكي نتجاوز الإحباط المرافق لأي صدمة. ربما يكون مرضنا أو أرقنا الجسدي كذلك سبباً مباشراً لتدهور حالتنا النفسية، كما أن الغضب من سلوك ما وردّة فعلنا غير المتوقعة قد تكون أيضاً سبباً في تعبنا من الداخل. ولا ننسى أيضاً الوضع الراهن من تدهور الحالة الاقتصادية والمعيشية والبطالة والغلاء وعجز الكثير منّا عن تأمين مستلزماته ومستلزمات أسرته، ما قد يكون سبباً مباشراً للضغط النفسي الذي يجعل حالتنا النفسية بحالة اضطراب وتعب في تفكيرنا، وهذا سبب مباشر للضيق والكآبة وأحياناً للإصابة بالجلطات الدماغية لشدّة التفكير. لذلك، من الطبيعي والضروري مراقبة صحتنا النفسية وزيارة المختص بين حين وحين كي نتمكّن من السيطرة على انفعالاتنا حتى نبقى أصحاء نحاكم الأمور بعقلانية، نتحكّم بمشاعرنا ونضبطها قدر المستطاع، فإذا لم نجد من نُسِرُّ له، أو كما يُحكى بالعامية واللهجة الدارجة (نثفضفض له) علينا أن نذهب لطبيب أو مختص، فليس معيباً عندما تتكرر لدينا حالة ذعر من شيء ما أن نذهب لطبيب مختص لنعرف ما سبب هذا الذعر، فقد نكون في مرحلة من مراحل عمرنا، قد واجهتنا مشكلة ما وجعلتنا كلما تذكّرناها نُصاب بالهلع، كمن يخشى المرتفعات أو صوت الصراخ أو الظلام أو الوحدة أو النوم بمفرده أو الخوف من الجنس الآخر. هنا المختص يعود بنا لمراحل مُبكّرة من العمر قد تكشف الأسباب ونستطيع أن نتخطّاها ونحيا في سلام، نتعامل بشكل طبيعي مع هذا الخوف أو الهلع. هنا لا يمكن أن نطلق على أنفسنا أننا غير عقلاء، بل على العكس نحن أصحاء تعرضنا لموقف ما جعلنا نبدي ردّة فعل مختلفة كلما تكرر، لذلك وجب علاج هذه الانفعالات فقط، فلكي نستطيع مجابهة الضغوطات وصعوبات الحياة علينا أن نتابع ونُصحّح أنفسنا، أن نعالج الهشَّ في داخلنا، ومن وجهة نظري أنا مع عبارة:

الجسد السليم يديره عقل حكيم.

لأنها أدقّ من عبارة: العقل السليم في الجسم السليم.

العدد 1105 - 01/5/2024