لماذا طليع حمدان أمير المنبرين؟

السويداء – معين حمد العماطوري:

كثيراً ما حلمنا أن نلتقي بالشاعر الكبير طليع حمدان، بعد أن حفظنا من أشعاره الكثير ودوّنّا في ذاكرتنا حفلاته، سواء على شاشات التلفزة أم الأشرطة أم اليوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتقنيات الإعلام الإلكتروني الرقمي من يوتيوب وغيرها، ولا أبالغ إذا قلت إنني من حفظة أشعاره وحفلاته بالكامل، ولدى مكتبتي الفنية أشرطة له ما زلت أحتفظ بها منذ أربعين عاماً ونيف، وبالمجمل فهو بلا شك قامة إبداعية كبيرة في تاريخ الزجل اللبناني، مذ كان فتياً مع بداية الستينيات من القرن الماضي، حين اعتلى صهوة المنبر بصحبة عمالقة الزجل يومها وعلى رأسهم الشاعر الذي أحبه كثيراً وهو زين شعيب، ودخل في جوقة زغلول الدامور لمدة عشر سنوات بصحبة زين شعيب وإدوار حرب، وأسّس بعد ذلك جوقته المعروفة باسم جوقة الربيع، وقد زأر بإبداعه منذ شبابه ونال لقب أمير المنبرين بعد أن ناشد العالم والأدباء والشعراء بهذا اللقب منتزعاً ذلك اللقب من عمالقة الزجل يومذاك في حفل بيت مري حينما قال رداً على الشاعر جريس البستاني:

مع احترامي لشعر موسى وشعر زين

وزغلولنا اللي اسمو شمخ عالفرقدين

بعد بتجي الأيام على هالجوقتين

وبدكن تشوفوني أمير المنبرين

لقد جاء اعتراف معظم الشعراء به أنه أمير المنبرين بعد مدة قصيرة من قوله، إضافة إلى ما عرف به شاعر الزهرة والموسيقا والجمال والعاطفة والوجدان، هو ذاك الصوت النابع من دلالة الصورة الإبداعية، فحين يقدم حجته في معالجة مواضيع الزجل تراه فيلسوفاً وباحثاً، ومثقفاً، وحين يرنو نحو المد الصوتي في الغناء لجمله تراه مطرباً مبدعاً في إيصال البعد الجمالي للكلمة المغناة بعرب صوتية طربية، وربما اختلف عليه العديد من مطربي القرن الماضي، واستطاع تصوير ذلك بأنواع الزجل المغنّى.

مؤخراً زار السويداء وهو الذي قال فيها قبل عقود طويلة:

جينا عالسويدا عابلدنا

ومثل النبع عالمي وردنا

تنقابل فيها رجال العظيمي

فيها مثل ما طلبنا وجدنا

وجدنا الأمن والدولة الرحيمي

وما خفنا من القتل ينقص عددنا

أما اليوم، بصوته المتعب من عوامل الزمن، فقد صدح بإحدى قصائده:

أنا شاعر يا موسى مش مغنّي

ببكي لو جرح بي أن أني

الشعر عندي مش قراية جريدي

الشعر نهدة طويلة الشعر عني

قتلني الشعر ع الورد النبيدي

دفني بزر غطاني بحني

ارجعت فتقت هالزر بنهيدي

تا منو شالني النحل المجني

رجع ليي الدفني بيوم عيدي

لقاني رحت من جنة لجني

تا يغفى ع أثر شعري ونشيدي

دفن حالو بمطرح ما دفني

يا موسى بتسأل الكلمة الفريدي

تا يحكيلك صباها البكر عني

أنا ربّي عجن فيي القصيدي

وتا خلدها رجع فيها عجني

إجا للمنبر مواسم عديدي

فطاحل شعر بعرف مين هني

إذا بسكت بيغنو من رصيدي

وما بيغنّو إذا بلّشت غنّي

حظّن بالسما الزرقا البعيدي

اللي غنّوا قبل مني بصغر سني

ولو غنّي بخفقاتي الجديدي

قبل القبل مني شعر غنو ..

شو كانو رح يغنّوا بعد مني

لعل ذلك يدخل في باب المغالاة ليست هي الدافع للرؤية بقدر احترام لتلك الشخصية الإبداعية، فقد قدمت محاضرة في مهرجان الزجل الرابع الذي تقيمه وزارة الثقافة حول الدلالة والغنائية في القصيدة الزجلية وكان النموذج طليع حمدان.

وأذكر في عام 2000 كنت أقوم بإعداد كتابي (فهد بلان الفنان الإنسان) الذي صدر عام 2005 ويومذاك زرت طليع حمدان في قريته عين عنوب وفي داره قدم لي قصيدة رثاء لروح مطرب الرجولة فهد بلان، وهدية كتابه (ليل وقمر) وما زلت أحتفظ به وبإهدائه بخط يده.

الشاعر طليع حمدان هو واحد من المبدعين القلائل الذين حافظوا على قمتهم الشعرية والشاعرية، والصورة لديه مدمجة مع نفسه وذاته، والقصيدة خالدة في روحه وهي تسرقه من جنح الليل إلى ضياء النور بخيوط الشمس السنية.

جاء تكريمه في السويداء ليكون رؤية جديدة للسويداء أن تحتفي بالمبدعين ومنبرها وجمهورها محب للزجل والإبداع، وطليع حمدان جدير بذلك بعد أن تجاوز المحلية نحو العالمية ببيئته وصوته.. السويداء بمضافاتها قالت مرحبا بك طليع حمدان أمير المنبرين، ولئن حافظت على لقبك وصوتك وشعرك وصورتك فقد انتزعت من الذاكرة والوجدان ما يجعلك في القلوب والعقول مقيماً فيها أبداً.

العدد 1104 - 24/4/2024