باتت مُشرعة حتى على البسطات!

وعد حسون نصر:

شبح الموت يطارد اليافعين، وناقوس الخطر وجب دقّهُ بين جيل كامل من الشباب. سيجارة الموت وحبة الهلاك، شهيق الضياع وإبرة التخدير المؤقتة، إنها المُخدّرات التي انتشرت في الآونة الأخير بكل أشكالها وآثارها السلبية (حشيش، كبتاجون، شابو، هيرويين، وكوكايين) كلها مواد رغم أنها أحياناً قد تُزهق الروح، لكنها تنتشر بشدّة بين جيل الشباب وبحسب الإمكانيات المادية للمُدمِن. صحيح أن هذه الظاهرة كانت تنتشر على نطاق ضيّق، إنما وبعد أزمتنا وانحلال المجتمع وانتشار الفساد، فقد باتت تظهر بشكل صريح وعلني خصوصاً في المناطق التي تحمل الطابع الشعبي، فطبيعة هذا المكان تتصف بالبساطة والفقر المؤدية لتقبّل شبح المُخدّرات، والتي يترافق معها ازدياد حالات الطلاق وضياع الأبناء والتفكّك الأسري الذي يُعتبر من الأسباب المهمة لانتشار السمِّ الفتّاك (المخدرات) وأيضاً ازدياد المشكلات والخلافات العائلية، وما ينتج عنها من فقدان الشعور بالذّنب وخاصةً عند الإساءة للآخرين. كذلك ازدياد الأمراض النفسية والاضطرابات التي تجعل الشاب أو المراهق يظنُّ أن التعاطي يُمثّل مخرجاً له من هذا المجتمع إلى عالمه الخاص الذي يُبعِده عن كل ما حوله، وبسبب إصابته بالهذيان والهلوسة يظنُّ أنه تخلّص من الاكتئاب مع العلم أنه غارق فيه وهو لا يعلم.

إن الآثار التي يُخلّفها الإدمان في المجتمع كثيرة، لعلَّ أهمها أن نسبة كبيرة من الجرائم يكمن وراءها التعاطي، لأن أكثر عضو في جسم الإنسان يتأثر بهذا الإدمان هو العقل وخلايا المخ، وبالتالي يفقد المُدمِن تركيزه وشعوره وقدرته على اتخاذ القرارات والتحكّم بسلوكه. ولهذا، ولكي نحمي جيلاً كاملاً من شبح المُخدّرات علينا أن نعمل كمؤسّسات ومنظمات أهلية ومحلية وحكومية بشكل جاد وحقيقي فاعل لنقف بوجه هذا العدو القاتل لشباب بأيديها تكمن صناعة الحياة والمستقبل، وذلك من خلال العمل على تنظيم الأسرة وتعزيز دورها بالمجتمع سواء بالندوات أو التوعية بضرورة تحديد النسل، كذلك السعي لتوفير فرص العمل لجيل الشباب لأن البطالة أكبر وسواس يسيطر على أفكار الشباب من خلال الفراغ الذي يلتهم قدراتهم. أيضاً التأكيد على فرض العلم وفرض عقوبة على الأهل ممّن يفرض على أبنائه ترك المدرسة من أجل العمل، وأيضاً فرض عقوبة على من يساهم في جعل طفل يفضّل العمل على الدراسة والتسكّع على الدراسة. كذلك نشر الندوات التي تتحدث عن مخاطر المخدرات ومساوئها على المجتمع وعلى الأسرة والفرد، وليكن أنسب مكان لهذه الندوات المدارس والتجمّعات الشبابية والجامعات، وعبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي. ولا ننسى الأهم، وهو معاقبة كل من تسوّل له نفسه الإتجار بشبابنا من خلال الترويج لهذا السمّ، ولتكن العقوبة أشدُّ من السجن ليكون عبرة. أيضاً، الاهتمام من قبل المؤسسات التي تُعنى بالشأن الاجتماعي والتنمية والدعم النفسي العمل ضمن الأحياء والمناطق الشعبية من خلال نشاطات تقوم على التوعية وخلق مبادرات تُعزّز روح الجماعة وتُشكّل في ذات الفرد الحافز على العمل والتّعلم والاحتكاك مع أشخاص سليمين فكرياً ونفسياً حتى لا نخسر الطاقات الشابة التي من دونها لا يمكن أن يتقدم المجتمع ويتطور.

هنا يمكن تقليص حجم انتشار المخدرات وخاصةً داخل هذه المجتمعات التي تقوم أساساً على أرضية هشّة قابلة للانحراف والانسياق للسوء بأي وقت، فلنعمل على بناء الفرد وإبعاده عن الإدمان داخل المجتمع لأنه هو أساس بناء المجتمع، فالمجتمع السليم هو الخالي من المخدرات ويصنعه جيل سليم بفكر سليم.

العدد 1105 - 01/5/2024