خاطرة حول التنمية الثقافية

يونس صالح:

لا تتحقق التنمية الثقافية ولا تؤسَّس بالمهرجانات والاحتفاليات حتى لو أعدت لها الهياكل والمنشآت. إن التنمية الثقافية هي عملية تأسيسية وبنائية دائمة ومستمرة ولا تقتصر على الأيام الثقافية والمناسبات.

إن التأسيس للتنمية الثقافية لابد أن يكون مستنداً إلى مفهوم صحيح وسليم للثقافة، فمازلنا حتى الآن ننظر إلى الثقافة تلك النظرة القطاعية التجزيئية كباقي القطاعات الأخرى، كقطاع الصحة وقطاع الاقتصاد وقطاع التعليم وغير ذلك.

إن الثقافة هي مشروع بناء مجتمع، هي كل لا يتجزأ، هي السياسة والاقتصاد والصحة والتعليم والفن والأدب والسلوك، هي كل جزئية من جزئيات الحياة الاجتماعية.. تتصل بالفرد سلوكاً، وبالمجتمع أسلوباً في الحياة، ترتبط بالسياسة تنفيذاً وممارسة، وبالاقتصاد تنمية، وبالأدب خصوصية، وبالجمال ذوقاً، وبالأخلاق قيماً، وبالتربية إعداداً وتنشئة، وبالإعلام اتصالاً، وبالعمران هندسة، وبالملبس أزياء، وبالأفراح والأتراح عادات وتقاليد، وبالصناعة فناً ومهارة، وبالعالم حواراً.

ولما كانت الثقافة تتعلق بنهوض أمة وبناء مجتمع، فإن التنظير لها، وصياغتها في استراتيجية شاملة هو علم ضخم يشارك فيه الجميع، خاصة المثقفين، الذين هم من يتولى الصياغة والمتابعة والتقويم، وليس كما هو سائد عندنا، حيث نجد السياسي هو من يقوم بذلك، وينظّر للثقافة والمثقف.. أي صار المنطق مقلوباً: فالجزء يهيكل الكلّ!

إن السياسة كما هو معروف تضطلع بتيسير أمور الدولة ومشاكلها الآنية.. إن السياسيين عندنا يهتمون بالمشاريع القصيرة ويعملون على تعزيز بقائهم في السلطة لفترة أطول أو دائمة أكثر من عملهم على خط المجتمع، أما في الغرب فيتعاقب السياسيون على تداول السلطة، وتبقى الاستراتيجية الثقافية موجودة، فالمؤسسات عندهم ثابتة والأشخاص يتغيرون، أو لنقل تتغير مواقعهم.

إن الحضارة الغربية أوّل ما قامت، قامت من منطلقات ثقافية، كان روادها الفلاسفة والأدباء وأهل الفكر، أما عندنا، فإن المثقفين عملوا منذ مطلع القرن الماضي على تحرير العقول ونشر الوعي الذاتي.. وما الحيوية الثقافية التي عرفتها سنوات الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي إلا صدى لرصيد ما قبل الاستقلال.

إن التنمية الثقافية لن يكتب لها النجاح على ما أعتقد ولن يحالفها التوفيق إذا استمرت بالاعتماد على المفهوم القطاعي الضيق للثقافة.

 

العدد 1104 - 24/4/2024