في الأدب الاجتماعي.. هل اتّسعَ الخرق على الراتق؟

عباس حيروقة:

ما سنتحدّث عنه وبه في مادتنا هذه هو ذاك القلق الكبير الذي يعترينا ونحن نتفكّر ونتأمّل في حال أبناء اليوم.. وللتوضيح لابد من أن نقول:

إنّ المقصود بـ (نحن) هو أبناء العقد الرابع والخامس فما فوق، والمقصود بـ (أبناء اليوم) هم الأطفال ومن هم في سن المراهقة وربما قد ينطبق في بعض التوصيف على من هم في سنّ الشباب.

ثمّة أسئلة كثيرة وكبيرة تُطرح حيال ما نشاهد ونسمع من وعن سلوكيات وأدبيات نافرة غير مألوفة، بل منبوذة بالنسبة لنا أبناء تلك الأيام.

سلوكيات تعكس أشياء كثيرة أقلّها تلك التبدلات والتغيّرات التي حصلت في مفاهيم خاصة بالتربية، بغض النظر عن متّبع تلك السلوكات سواء كان ابناً لطبيب أو أستاذ جامعة أو مسؤولاً كبيراً هنا وصغيراً هناك …إلخ، وبغض النظر من سالك ذاك السلوك إن كان طالبا جامعياً أو طبيباً أو مهندساً تخرّج للتّو، وكأن هذه المرحلة بكل قبحها ساعدت وساهمت في تنشئة جيل يشابهها، بغض النظر عن وجود حالات (استثناء) ممعنة في النقاء وفي الأدب والاحترام والوعي.

مرحلة مخيفة جداً تعكسها حوارات جدّ هامة يخوضها الآباء والأجداد في سبيل الوصول إلى حلّ أو خلاص مما أصاب الأبناء والأحفاد من تشوّه وترهّل وانحلال.

قد تلتقي بمجموعة من الأطفال، ومن البداهة أن تلمس لديهم وعندهم البراءة والعفوية ونقاء الروح وأشياء أخرى مما كانت عليه طفولة تلك الأيام، ولكن ترى وتسمع ما لم يكن في الحسبان.. أطفالاً فقدوا براءتهم.. عفويتهم .. أناشيدهم وضحكاتهم وطائراتهم الورقية.. فقدوا الأقلام ودفاتر الرسم والطبشور..

فقدوا ألف باء الأدب الاجتماعي.. أدب التواصل مع المعلّم، مع المستخدم، مع عامل التنظيفات.. فقدوا أبجديات التواصل باحترام مع الكبير (أب – أم – جد – جدة – عم – خال – جار ..الخ)، فقدوا القراءات الجادة الحقة لمفردات الحياة الجميلة.

أطفال مسكونون بعشقهم وإدمانهم للموسيقا الصاخبة.. لمقاطع (اليوتيوب) التي تضج دموية وصراعات وقتالاً.

كيف لا والأمّهات يدفعن بتلك الأجهزة (الموبايلات) إليهم وهم في سنواتهم الأولى، بغض النظر عن أسباب ذاك الإجراء المخيف الذي سنحصد خرابه في القادمات من الأيام.

وأيضاً قد تلتقي بفتيان وشباب نجحوا في جامعاتهم ويتقنون ببراعة العمل في حقل البرمجة وغيرها، ولكن يحزنك جدّاً أنّهم لا يتقنون قراءة الكثير من مفردات الاحترام والتواصل الاجتماعي الحقيقي لا الافتراضي ..شباب اليوم_ إلا من رحم ربك_ بعيدون كل البعد عن مفاهيم كانت بالنسبة لأبناء تلك الأيام عماد الحياة ونجاحها.. المحبّة.. الاحترام بكل معانيه الرحبة.. صلة الرحم.. حق الجار.. مد يد العون.. العطاء.. برّ الوالدين.. احترام الضيف وألف باء الترحيب به.. مفاهيم الفضيلة.. الخير.. الحلال والحرام …إلخ.

أختم بما قلته لوالدي – رحمه الله – حين كان يحدّثني عن علاقة جدّه بإخوته وجيرانه وبالحياة، ومن ثم عن علاقة والده بإخوته وبأبنائه وبكل قريب بغض النظر عن درجته.. عن تلك العلاقات التي تعتبر بمفاهيم اليوم من الخيال.. ومن ثم عمّا رأيت من تعامل والدي مع إخوته وأقاربه على غير درجة.. تعامل قائم على إحقاق الحق.. حق الجار.. حق الإخوة والأبناء وحق الناس كل الناس بأن يعيشوا بخير ومحبة وسلام.

وبعد أن رأيت اليوم من تعاملنا كإخوة وجيران وأقارب و…

وما هم عليه اليوم الأبناء والأحفاد من.. ومن..

قلت له حينئذٍ: كلّ جيل يفقد أو يتخلى أو يتنازل عن بعض ملامح النبل والفروسية والوفاء والنقاء والمحبّة والاحترام عن الجيل الذي سبقه، وأخال أنّنا سنصل إن لم نكن وصلنا إلى جيل فاقد كلّ شيء.. كلّ شيء.

قد يبدو في كلامي هذا كثيرٌ من السوداوية، ولكن أزعم أيضاً أنّ فيه الكثير من الحقيقة رغم محاولاتنا أن نجمّلها ببعض بعض الاستثناءات القليلة.. إلّا أنّنا نتجه إلى الهاوية إن لم نكن فعلاً في الهاوية.

العدد 1105 - 01/5/2024