دعوة مني لكم

جعفر فرح خضّور:

بلا أيّة مقدمات، هناك واقعٌ مُلبّد بالسواد تقفز فوقه نظرتنا إلى المستقبل، أو تطلّعنا إلى ما هو أفضل، وتتجاوز النظرة مزنقها بكسرة خبز أو غوصٍ في المقارنات في حالتنا، والبقية كمسكّن ألمٍ موضعي.

لا يوجد أخطر من أن تعيش واقعاً يخالف ما تتطلّع إليه أو لا يقارب ما تصبو إليه بقيد أنملة، وليس بالضرورة أن تكون الخطورة تلذّذاً بمقوّمات عيش باتت مريرة، أو تحقيق مكانة مرموقة في الخيال، بل أن لديك رغبة جامحة في أن تغيّر “الستاتيكو” في أي مكان تتواجد فيه، أجد الرغبة ميتة أو تستنجد بالموت، اللباب مدثور في غياهب اللاعودة والقشور تطفو على السطح، صحيح أنّ هناك معسكرين شرقي وغربي يحمل الأخير فيه كل أدوات الانقضاض على الأول، لكن هل تساءلنا يوماً لمَ نحن بموقع الضحية، أو بوجه مدفع المستهِدف دوماً!

فيّ همّ جارف لمآسي الرّوح المُتجدّدة، يدعو لإصلاحٍ ذاتيّ مجبول برغبة تتمدّد لإصلاح الواقع من حولي، حدّثني أحدهم.. الشباب طبقة رخوة ولا يصلحون لإبداء رأي ما، أو ربما يصحّ ذلك استطراداً ضمن مساق الرّأي والرّأي الآخر، فرمقته نظرة غاصت في أعماق الوضع الحاليّ، وانفلش أمامي تساؤلٌ أخشى إجابته..

لمَ تكوّنت هذه النظرة تجاه شبابنا، وهل هم كذلك فعلاً، هل المتصدّر منصات “التمييع” على مواقع التواصل منهم هو صورة لمن بقوا، ثمَّ لمَ اقتصرت تلك النظرة عليهم وأخذت طريقها في التمدّد لغيرهم؟

لا أُعمم هنا، أو أُضيّق مساحة رؤيتي، بل أعكس واقعاً يفرض على الشباب حالةً دخلت كهف الاستحالة وضلّت طريقها، فمن جهة الشاب يقع في حبائل تحقيق أبسط مقوّم معيشيّ، ومن جهة يُضيّع نفسه في سبيل ذلك التحقيق، ما يدفع بالحالة المجتمعية إلى الانقسام على ذاتها، تذهب في طريقين يلتقيان في آخرهما حول ضرورة “بناء الذات بالأولوية” على حساب الأساسية، ومن هنا نستشعر الخطر الموحش من بعيد، ماذا عن شبابنا اليوم، النوادر تتألق في زمن يحبّ خطف الأضواء، وآخر بات أيضاً يُصفّق لزيٍّ دارج.

للأسف، يذهب الشباب بطريقٍ أشبه ما يكون بطريق الموت الصّامت، لا أحد يعرف موعده، ولا آخر يستدركه إلاّ بعد تحقّقه.

قد أكون غصت في قهري، رغم أنّي ابتدأت مقالتي بالقول: بلا مقدمات، لكنّي أرى أن الشباب هم مقدمة أي عمل ناجع لهذا المجتمع، عندما يفرضون فيه أنفسهم في كلّ مرحلة وليس بالضرورة أن يسبكهم مجتمعهم أو يحبّهم، بل ولو بانتزاع دورهم عنوةً من فكّي كمّاشة التقليد والشعارات الرنّانة ذات الصّدى على مسامع موبوءة، ويمكن ذلك عندما يبادرون، يخططون، يعملون على بناء الذات بالذات، ويقنعون البقية بضرورة العمل المجتمعيّ بروح شابّة.

قد تقول كقارئ: لكن هناك تنظيمات ترعى الشباب وتؤطّرهم وتحثّهم على العمل والبناء، فأقول لك: عندما تتوازى نسبتهم مع من ليس مثلهم، أو تشكل بأساسها 10 في المائة، عندها قارن، لكن يبدو أننا أبحرنا في عوالم لقمة العيش فتناسينا زوراً وبهتاناً ذات الشّباب الواعي. وهذه دعوة مني لكم.. أيها الشباب.. انظروا لذاتكم الحقيقية.. فأنتم عماد المجتمع وروح الأمة وقادرون.. ولا تُطلّقوا كلامي ثلاث.. حتى لا تقع بينونة الأمل كبرى.. فنحن قادرون.. قادرون.

العدد 1104 - 24/4/2024