هل تجميل الساحات العامة أهم من تحسين مستوى معيشتنا!؟

إيمان أحمد ونوس:

بين فينة وأخرى تُطالعنا جهات حكومية عديدة بتنفيذ مشاريع لا تُعتبر خدمية بقدر ما هي تَرَفِيّة، في ظلّ ما تعيشه البلاد والعباد من شحٍّ في الإمكانات المادية بعد سنوات جمر ما زالت تكوي الجميع بلهيبها المُتقد حتى اللحظة، وبفعل السياسات الحكومية المُرتجلة والبعيدة كليّاً عمّا يتطلبه الواقع السوري اليوم، وما أدّت إليه من الغلاء المُستفحل والمُستشري الذي قتل كل إمكانية للحصول على لقمة عيش مقبولة لدى عموم السوريين.

واليوم تُطالعنا محافظة دمشق بخبر وضع خطة لتجميل كل ساحات دمشق) كما جاء في عنوان نشره موقع (سناك سوري) يوم الخميس 18/5/2023.

فقد صرّح نائب محافظ دمشق (علي المبيض) أن المحافظة وضعت خطّة لتجميل كافة ساحات (دمشق) ومنها (الروضة) و(المالكي) و(العباسيين) و(المرجة). وأنه سيتمُّ خلال الأيام القادمة تصوير ساحة (المرجة) ومداخلها ومخارجها بواسطة (الدرون) بالتعاون مع هيئة الاستشعار عن بُعد لتثبيت الوضع الراهن وإتاحة الفرصة لتدعيم الخلل. وأضاف، أن المحافظة تقوم بالتوسّع بدراسة تجميل ساحة (باب توما) التي تمّ إعدادها قبل نحو 4 سنوات بالمشاركة مع وزارتي السياحة والثقافة وكليتي الفنون الجميلة والهندسة المعمارية. مؤكّداً أهمية المشاركة الأهلية في تجميل هذه الساحات نتيجة وجود أولويات لدى الحكومة.

وكان قد جرى العام الماضي إعادة تأهيل ساحة السبع بحرات بتمويل المجتمع المحلي، فيما اقتصر دور المحافظة على الإشراف كما قد كان صرّح مدير الدراسات الفنية في محافظة دمشق (معمر الدكاك) في مقال لصحيفة الثورة الرسمية نقله موقع (سناك سوري) بتاريخ 24/12/2022.

ممّا ورد أعلاه نتلمّس نقطة هامة وهي أن المحافظة تؤكّد في معظم خطواتها في هذا الاتجاه أهمية دعم ومشاركة المجتمع المحلي/ الأهلي، وهذا إن دلَّ على شيء، فإنه يدلُّ فقط على عدم قدرة المحافظة منفردة على تمويل هذه المشاريع.. وهنا يحق لنا أن نطرح سؤالين:

الأول: لماذا تعتمدون على المجتمع الأهلي/ المحلي في مثل هذه المشروعات، بينما لا تقيمون له وزناً في مسائل وقضايا مجتمعية أكثر أهمية وضرورة؟

والثاني: ما دامت إمكانات المحافظة خاصة والحكومة عامة غير قادرة منفردة على إنجاز هذه المشاريع، فلماذا تقوم بها، لاسيما أنها ليست مشاريع خدمية ضرورية في مثل ظروف بلدنا اليوم، إضافة إلى أن ساحة العباسيين كانت قد خضعت ما قبل الأزمة إلى تجميل جعلها للأسف كتلة معدنية مُنفّرة للعين، ومن ثمّ وخلال سنوات الأزمة تمّ إعادة العمل بها للتخلّص ما أمكن من منظرها السابق.. وفي كلتا الحالتين، هل يُمكننا معرفة قيمة التكلفة السابقة للحالتين والتي ستذهب الآن أدراج الرياح، خاصةً أن المبيض قد صرح أن مشروع عقدة المواساة الذي قد ينتهي في تشرين الثاني المُقبل قد وصلت تكلفته إلى 26 مليار ليرة!

غالبيتنا يعلم أن الساحات المذكورة كما هي عليه اليوم باتت معلماً أساسياً من معالم دمشق يعرفها ويُحبّها السوريون كما السيّاح الأجانب، وبالتالي لا ضرورة لتجميلها في وقت تُعاني فيه خزينة الدولة شحَّ مصادر تمويلها، ممّا يتركها عاجزة عن رفع الأجور والرواتب المتجمّدة منذ سنوات كما يُصرح المعنيون بالشأن المالي والاقتصادي، عدا عجزها في دعم مشاريع خدمية أخرى كاحتياجات القطاع الصحي أو التعليمي أو الزراعي مثلاً!

لا شكّ أن ما وصل إليه السوري اليوم من فقر وجوع وعوز استطال حتى طاول حدود الخيال إن لم يكن قد تجاوزه، وهذا يرتّب على الحكومة وكل الجهات الرسمية المعنية، الاهتمام قبل أي شيء بواقع الإنسان وما تُعانيه شرائح واسعة من السوريين، من خلال تأمين أبسط حدود المعيشة التي لا تجعل كل واحد فينا يُحدّث نفسه حين يخرج للأسواق لتأمين أشدّ مستلزماته حاجة، بسبب الغلاء المتوحّش والمُستفحل ممّا يترك الوجوه مشدوهة والأفواه فاغرة أمام سعر أصغر سلعة.

إن الإنسان في أي مكان قيمة عليا يجب حمايتها والحفاظ على إنسانيتها وجميع حقوقها كما تنصُّ الدساتير والقوانين الدولية.. غير أن ما نراه اليوم في بلدنا عكس هذا تماماً.. فهل هناك من ينهض ويقول كفى!؟ كفاكم استهتاراً واستهزاءً بحياة البشر الصابرين على الجمر منتظرين معجزة خارقة تنتشلهم من وضعهم المتردي هذا!

العدد 1104 - 24/4/2024