سورية.. من دريئة الاستهداف إلى قبلة التطبيع

إبراهيم الحامد:

يتسارع الحراك السياسي والدبلوماسي لإعادة العلاقات مع سورية، في أروقة السياسة والدبلوماسية للأطراف العربية والإقليمية التي شاركت في تعميق الأزمة السورية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يتسارع التحرك الدولي والإقليمي للدول التي ساعدت الدولة السورية وحمتها من الانهيار، وذلك لأجل رأب الصدع بينها وبين النظم الإقليمية التي ألحقت أضراراً جسيمة بالدولة السورية واحتلت أرضها بمسوغات غير شرعية.

ولم يعد خافياً سعي كل طرف من الأطراف العالمية والإقليمية المشتركة في الصراع على سوريا اليوم، لتجيير الحل السياسي للأزمة السورية لصالحه، والخروج بما يمكن من المكاسب ومهما ضؤلت، على مبدأ (عدم الخروج من المولد بلا حمّص)، وكل ذلك يعود لأهمية موقع سورية في الشرق الأوسط الذي بات مسلماً به، فقد بات من الموضوعية بأن: (لا سلام في الشرق الأوسط من دون سورية ولا سيطرة على التجارة العالمية إلا عبر ممراتها الجوية والبرية والبحرية).

أعتقد أن ما دفع لهذا الحراك المتسارع لإعادة التطبيع مع سورية، بعد حرب استهدفها لمدة اثني عشر عاماً، والذي ظهرت بوادره من وراء الكواليس منذ عام ٢٠٢١، وأنجزت على المستوى العربي في مطلع ٢٠٢٣ حتى تاريخ تلقي الرئيس بشار الأسد دعوة من العاهل السعودي لحضور القمة العربية القادم بتاريخ ١٩/٥/٢٠٢٣، هو قناعة كل الأطراف، بأن لا حسم عسكرياً للأزمة، ولن يكون هناك طرف منتصر على آخر، بل بات الكل يتلمس الخطر الذي سيناله في حال استمرارها.

فهل يلبي حل الأزمة السورية طموحات كل الفرقاء المتصارعين على سورية؟ بعد أن دفعوها إلى أعماق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإنسانية وكل ما يعانيه اليوم الشعب السوري من تشريد وتجويع وشظف العيش، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد ملأت الأطراف المتصارعة عربة الأزمة السورية بما لم يعد أي منها بمقدوره جرها أو دفعها، وبات ركونها يشكل خطراً على الكل، ولا سيما من طرف أغلبية الشعب السوري الصامد والصامت حرصاً على بقاء الدولة وهيبتها، الأغلبية التي باتت تئن تحت وقع دوران دواليبها طيلة اثني عشر عاماً وتكاد تفقد القدرة على الصبر والتحمل، وتتجمّر تحت الرماد رويداً رويداً.

وهل حقاً قد وضعت عربة الأزمة السورية، بهذا التطبيع، على أول سكة الحل السياسي بعد التفاهمات الإقليمية والدولية دون استثناء، رغم امتعاض بعض الأطراف من ذلك؟

هذا السؤال وغيره من الأسئلة الملحة تطرح نفسها على ما حدث وما سيحدث وأهمها:

– أهناك قوة تتجاوز أطراف الصراع، دفعتها إلى الانفتاح على سورية تحسّباً لما سيحدث من انعطافة تاريخية ستغير في مسار العلاقات الدولية والمجتمع البشري وتستوجب إعادة التموضع لملاقاتها؟

– أم أن المملكة السعودية باتت تمتلك نهجاً مستقلاً وترى في نفسها أنها قادرة على قيادة المنطقة العربية والشرق الأوسط كقطب إقليمي قوي قادر على ملاقاة ما سيحدث؟ لذا اجتازت الخطوط الحمر التي كانت مفروضة عليها، وأهمها: التطبيع مع النظام الرسمي السوري، والتصالح مع إيران، كما أنها تعمل على تلطيف الأجواء بين المتخاصمين الإقليميين وتمتين العلاقات فيما بين الدول العربية من جهة، وبينها وبين الدول الإقليمية من جهة أخرى.

– لماذا لم تبارك الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون مسار التطبيع والقرارالعربي بعودة سوريا للجامعة العربية علناً، علماً أنها قالت: (إنها تتفهّم تطلعات شركائها)؟!

-وهل شعر النظام التركي بقيادة أردوغان بإنهاء مهمته الوظيفية في مشروع الشرق الأوسط (القديم الجديد) وهو مقبل على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية بتاريخ ١٤ أيار ٢٠٢٣؟ لذا سعى للتطبيع مع سورية اليوم، لتحقيق ما يتمكن منه، وأقله إبعاد ما تسميه تركيا (الإرهاب الكردي) عن حدوده الجنوبية؟ وهو يقصد بذلك، إرسال رسالة بعدم منح الكرد السوريين أي حق شرعي في سورية المستقبل، وإخراج اللاجئين السوريين من تركيا، والتشبث بما تحتله من الأراضي في شمال السوري بغطاء الميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية السورية الموالية له.

إن عودة سورية إلى الحضن العربي مهمة، وتحسين علاقاتها مع الجوار مهمّ، ولكن الأهم هو تحقيق آمال كل السوريين الشرفاء بإنقاذ سورية ووصولها إلى برّ النجاة وطنياً وتحقيق طموحاتهم، التي باتت معقودة على الغالبية العظمى من الشعب السوري الصامد والصامت معارضة وموالاة، وبكل قواها السياسية والاجتماعية الوطنية، التي لم تتلوث يدها بالدم السوري ولا بسرقة ثروات الشعب السوري ولم تتلوث فكرها بالفكر الظلامي، وترفض كل التدخلات والأجندات الخارجية المتصارعة على سورية، والتي بات همها الأول هو تحرير كامل التراب السوري من المحتلين وقوى الإرهاب الدولي وإنهاء الحرب وعودة الاستقرار والأمان إلى كامل الوطن السوري، لتتمكن بعد ذلك من إعادة بناء وطنها بيدها، ورسم مستقبله السياسي والاجتماعي بنفسه، وعبر الحوار السوري السوري بين كل مكونات الشعب السوري وبكل ألوان طيفها القومي والاثني والاجتماعي العريق، والتي تطمح إلى بناء الدولة الوطنية ودولة المواطنة، التي تضمن حقوق كل الأفراد وكل القوميات وتنوع الثقافات على قدم المساواة، ويسودها العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة، وهي مدعوة اليوم قبل غيرها إلى التلاحم والعمل المشترك لمجابهة الأجندات الخارجية واللاوطنية أو ما دون الوطنية، والتي قد توجه شراع الحل بأهوائها إلى مستنقع مكاسبها الضيقة وخدمة للقوى الخارجية وأجنداتها.

وختاماً أقول: إن مشقة التحرير ستكون كبيرة، ولكن الأكثر مشقة ستكون في صيانة وحدة سورية وشعبها بعد التحرير، وإن مسألة تحقيق الحقوق والحريات والديمقراطية من عدمه، مرتبطة بحسن استخدامها في بناء الدعائم السياسية والاجتماعية والاقتصادية الجامعة، التي تستند عليها الدولة السورية مستقبلاً، ويعيش في ظلها عموم الشعب السوري.

ومن العقلانية أن نقول: إن الركود يجعل من الواقع مستنقعاً آسناً، فلا بد أن تحركه أمواج التغيير، وعلى كل فرد وكل جهة في سورية اليوم، الترفع عما يصغر أمام عظمة سورية شعباً ووطناً، وتغليب المصالح الوطنية العامة على الخاصة، فالجميع في سفينة واحدة ينجون بنجاتها ويغرقون بغرقها.

النمسا -١٢/٥/٢٠٢٣

العدد 1105 - 01/5/2024