خاطرة حول اضطهاد المرأة

يونس صالح:

ما دفعني لكتابة هذه الخاطرة هو نقاش جرى منذ أمد غير بعيد مع البعض حول دور المرأة في المجتمع وحول تحريرها.

بعد عقود من الدعوة إلى تحرير المرأة وانطلاقتها في مسيرة الحياة مع الرجل في كثير من المجالات، فإننا لا نزال نلتقي عبر المناقشات والحوارات المنشورة وغير المنشورة، والكتب المذاعة على الناس، بأنماط من الرجال؛ ويا للغرابة من النساء أيضاً! تهاجم مبدأ تحرير المرأة، وتلعن الساعة، وقاسم أمين، وهدى شعراوي وغيرهما من دعاة تحرير المرأة.

يرى الدعاة الجدد هؤلاء وجوب عودة المرأة إلى مكانها الطبيعي- برأيهم- وهو البيت، حيث المطبخ ومقصورة الحريم! وحجة هؤلاء أن المرأة يجب أن تشرف على تربية الأولاد، وكأن تربيتهم مقصورة على المرأة فقط، وليست مسؤولية مشتركة بين الرجل والمرأة، وحجتهم أيضاً أن المرأة العاملة سبب من أسباب بطالة الشباب، وهذا يعني- ضمناً- أن التعليم عندما اقتحمت المرأة ميادينه، جعلها تحمل شهادتها، وتخوض بعملها مجالات اختصاصها، فأغلقت مجالات العمل في وجوه الشباب، وتبعاً لذلك علينا أن نحدد مجالات تعليم المرأة حتى لا تحل محل الشباب الحامل للتخصص ذاته.

أنصار عودة المرأة إلى البيت (البيتوتيون) يدعون إلى تحديد مدارس معيّنة للبنات وتخصيصها بمناهج تتناسب مع طبيعتها، فماذا سنفعل بتخصّصاتها العلمية كالكيمياء والفيزياء والرياضيات؟ بل حتى الآداب؟

يقول هؤلاء (البيتوتيون): لن يكون لدينا من وراء هذه العلوم للبنات مدام كوري سورية.. ولن يكون من وراء الآداب خنساء جديدة.

أما إذا تساءلت عن نوع المناهج التي يقترحونها للبنات، فاعلم أنها مجالات التدريب المنزلي ومهارات الحياكة والتطريز وفن الطبخ، باعتبار أن أقرب طريق إلى قلب الرجل.. معدته!

ومن حجج دعاة التدبير المنزلي أن المرأة عندما خرجت من البيت لطلب العلم في المدارس والجامعات فسدت أخلاقها، وأفسدت أخلاق الشباب – ياحرام! وكأن الجدران (البرلينية) ومقاصير الحريم والشبابيك الشعرية تحفظ أخلاق المرأة والشباب!

العلم والثقافة المستنيرة، ومواجهة الجنس الآخر منذ الطفولة وعبر المراهقة والكهولة، كل ذلك حصن حصين يسلح الشابة والشاب بأخلاقية سليمة، فما بالك إذا دعمت هذه القيم الفطرية السلوكية بقيم العلم والثقافة المستنيرة وعدم الخوف من الشياطين والأبالسة؟

كيف نعود إلى عهد القمقم؟ أما سمع هؤلاء في كهوفهم الماموثية أن المرأة غزت الفضاء، وتحررت من قوانين الجاذبية، والجذبية والانجذابية؟ هذا جانب من جوانب اضطهاد المرأة في عصر الذرة والليرز ولحم ثقوب طبقة الأوزون في الفضاء من الأرض!

 

عالم بلا امرأة

كيف نعيد – بل نسوق المرأة إلى الكهوف؟! تصوروا عالماً بلا امرأة! بحراً بلا ماء.. أو.. بلا ملح! كوناً بلا نجوم وبلا شموس؟!

الشمس مؤنث، الأرض مؤنث، الحياة مؤنث! إن ملاحم وأساطير ومعابد وروايات وأشعاراً لا تفنى في الزمان، كل هذا بإلهام المرأة.

لكن، مع كل هذا، تُضطهد المرأة مرة أخرى بعد الدعوة إلى (بيتوتيتها).

الاضطهاد الآخر هو صورة المرأة في أمثال الشعوب، اقرؤوا:

– (ابتلع الشيطان المرأة، فلم يستطع هضمها)- مثل بولندي.

– (عندما تفكر المرأة بعقلها، فإنها تفكر في الأذى)- مثل لاتيني.

– (سلاح المرأة لسانها، فكيف ندعه يصدأ بعدم الاستعمال)- مثل فرنسي.

– (ثلاث بنات وأم، أربعة شياطين للأب)- مثل إسباني.

– المرأة شرٌّ كلّها.. وشرّ ما فيها أنه لا بدّ منها)- من التراث العربي.

السينما العربية تضطهد المرأة، والمتتبع للأشرطة السينمائية تروعه فيها صورة المرأة، فهي إما قاتلة، أو سكيرة، أو خائنة، أو مغلوبة على أمرها، أو شاذة في علاقاتها حتى مع زوجها، لماذا يجري تشويه صورة المرأة؟ ولماذا تضطهد؟

إن المرأة أسمى من كل بلاغات الأقوال والأمثال والأفلام..

هل تتصورون عالماً بلا امرأة؟ وبحراً بلا ماء.. وكوناً بلا نجوم في السماء؟ّ

حياة بلا امرأة.. موت، الحياة مؤنث!

بوركت أيتها المرأة، أماً وأختاً وزوجة وصديقة، لأنك أنت الحياة!

العدد 1105 - 01/5/2024