لون مُهَجَّنْ باهت

وعد حسون نصر:

اللون الرمادي خافتٌ، باردٌ، مقيت. هذا وهو بين الألوان، فما بالك إن اتّسمت به النفوس؟ صفات كثيرة سالبة وسلبية تجتمع بهذه الشخصية ذات الطابع الرمادي، إذ لا يمكن أن تعرف ميولها، وبالتالي لا تستطيع تحديد موقفها، وهنا تقف محتاراً بطريقة التعامل مع هذا النموذج من البشر، إنه شخص يمتلك صفة الحياد، ليس لديه مشاعر قوية وخاصةً عندما يتعلّق الأمر بالخير أو الشر، لا يُعلّق، لا يُدلي بدلوه، لا يشير إلى الخير ولا حتى إلى الشر، وفي النظام أو الفوضى تظهر المشاعر السالبة ذاتها والحيادية ذاتها لديه، فهو عديم الإدانة للأشياء، لا يدين شيء ولا يمدح شيء. من الطبيعي أن تكون لديه فكرة أن الخير أفضل بكثير من الشر، ومع ذلك لا ينصر الخير ولا يدين الشر، وعلى الرغم من معرفتهم بالناس الجيدين حولهم، لكنهم لا يفكرون بالتواصل معهم ومبادرتهم المشاعر ولا يلزمون أنفسهم بدعمهم بشيء، فهم يرغبون في الحياد لأن يعتقدون أن اتخاذ أي موقف هو تحيّز، لذلك اختاروا الوسط وبرأيهم هذا الاختيار أكثر توازناً وأفضل طريقة لاستمرار الحياة. فقد تراهم سلبيين في كل الحالات، ففي الحياة الاجتماعية والمجتمع يلجأ الشخص الحيادي للكتمان، فلا يدلي بدلوه ولا يبدي رأيه، على سبيل المثال، إذا حدث خلاف بين شخصين أمامه تراه يقف جانباً انطلاقاً من مبدأ لا ناقة لي ولا جمل! وإن سألته عن سبب الخلاف لتحلّ الأمر بين المتخاصمين، لا تأخذ منه حقاً ولا باطلاً، سلبي حيادي موقفه موقف الوسط لا ينصر المظلوم ولا يردع الظالم، كأنه قطعة أثاث جامدة، وأحياناً تظنّه لشدّة تمسكه بصمته وكتمانه قول الحق أنه حقودٌ يكتم غيظه فقط، حتى إن كنت تتحدث معه عن أي شخص وتشكو له ما يزعجك من هذا الشخص لا ينصحك، لا يذمك، ولا يؤيدك، لا يُبرر للشخص ولا يوضح لك تصرفات الأخرين، يبقى فقط المستمع الصامت.

أما في الحياة السياسية، فتراه أيضاً في الوسط، لا تعرف موقفه أو ميوله السياسية، اتجاهاته، مخاوفه، مع من، وضدّ من؟ لا تعرف شيئاً عنه.. وهنا تضطر لتجنبه، فأنت تخشى من صمته المريب، وأحياناً ترعبك نظراته، لأنه يفرض على نفسه ومن حوله أن يكون في منتصف المحور، فهو لا يجد نفسه ملزماً باتباع أي طرف أو أي قاعدة أو أي معتقد اجتماعي، ولا يشعر بالحاجة إلى تعطيل أعماله أو التمرد، فهو يتبع ما يناسبه ويتوافق مع رغباته.

يظنُّ البعض أن الشخص المحايد شرير أو ربما مجنون، هذه الظنون غير صحيحة، لأنها مجرّد تكهنات، لأن الشخص المحايد تراه أحياناً يناصر مجموعة من الجيدين لصالح الشيء الإيجابي، فهو بالرغم من سلبيته تراه يحب عائلته ويسعى لخير عائلته.. بالرغم من غموضه لديه أصدقاء، فهو محبوب لأنه لا يؤذي أحداً، بل يُقدّر أصدقاءه ويرد الجميل، لكنه ينتقم بالشديد القوي عندما يجد نفسه مخذولاً، أو حين يتلقّى صفعة خيانة من أشخاص لا يتوقع منهم خيانته. محبٌّ لطيف بالتعامل، لكن بالرغم من كل هذه الصفات الجيدة والمُحبّبة بشخصيته الحيادية، يبقى لدينا أنه لا يتكلم في الوقت الذي يجب أن يتكلم به، فمثلاً لا يقف بجانب مظلوم، فمن المعروف أن كلمة حق تنصر مظلوماً وهو يصمت عن قولها، وهنا نجده لا ينصر مظلوماً ولا يردع ظالماً.

لذا، تبقى الشخصية الحيادية غير مُحبّبة، فنحن نحتاج إلى الشخص الحيوي المتفاعل والفاعل بالمجتمع، الثائر على الظلم الذي لا يرغب أن يبقى متفرجاً عليه فقط! لذلك يرفض الجميع هذه الرمادية ويجعلونها صفة نعتٍ غير مُحبّبة، ويتجنبونها في المواقف السياسية، أو الاجتماعية أو المعتقدات..  ويبقى الرمادي لوناً غير مُحبّب.

العدد 1105 - 01/5/2024