ضرورة استثمار التطورات الجديدة وإنجاح الانفتاح الدبلوماسي وطنياً

إبراهيم الحامد:

في مقالة سابقة لي بعنوان (الثابت والمتغير في السياسة الدولية حول سورية)، منشورة على صفحات هذه الجريدة الغراء، بعددها 1050 تاريخ 15 آذار 2023 تناولت فيها: آثار الزلزال في التحرك الدبلوماسي للقوى الفاعلة في الأزمة السورية وفق مصالحها، وذكرت ضرورة حرص السوريين أيضاً على مصالحهم الوطنية ضمن مخرجات هذا التحرك الدبلوماسي المتسارع، وتلتها مقالة أخرى في العدد 1052 بعنوان (هل نحن مقبلون على شرق أوسط جديد لشعوبه) تناولت فيها استكمالاً لما سبق الحراك الدبلوماسي نحو سورية، الذي تسارع دراماتيكياً فيما بين الدول العربية من جهة، وفيما بين الدول العربية والدول الإقليمية المتصارعة من جهة أخرى، وتنبأت بفشل مشروع الأمريكي في المنطقة، وإمكانية التوجه لبناء شرق أوسط جديد لصالح شعوبها، واستبشرت بأنه قد تكون دمشق بوابة لذلك، إثر الانفتاح الدبلوماسي المتسارع على سورية بعد قطيعة دامت اثني عشر عاماً .

وساهم في كتابتي هذه تناص منشور الرفيق بشار المنير (عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري الموحد، رئيس تحرير جريدة النور) على صفحته في الفيسبوك كما ورد (جميع المؤشرات ترجح تأسيس نطاق إقليمي جديد، أقل اعتماداً على القطب الأمريكي (الأوحد)، ومعني أكثر بهموم المنطقة وعوامل تطورها، في ظل بداية التحول إلى عالم متعدد الأقطاب، وتأتي عودة سورية المرتقبة إلى الجامعة العربية كمؤشر رئيسي في هذا السياق. وبغض النظر عن جدية هذا التوجه الإقليمي الذي يضم المطبعين مع الكيان الصهيوني.. والمقاومين – حتى اليوم – لمخططاته التوسعية، علينا استثمار هذا التوجه لمصلحة سورية وشعبها بالدرجة الأولى، بعد 11 عاماً من الأزمة وغزو الإرهابيين والحصار، والعمل على إنهاض الاقتصاد السوري، ووقف معاناة الشعب التي وصلت إلى حدود مأساوية، وهذا ما يتطلب الحكمة والمرونة من جانب، وعدم التفريط بالثوابت الوطنية وطموحات الشعب السوري السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمعيشية من جهة أخرى. ونعتقد أن الحوار الوطني الواسع الذي يضم جميع الأطياف السياسية والاجتماعية والإثنية في البلاد، هو المكان المناسب لضمان الاستثمار الأمثل لهذا التوجه الاقليمي الجديد).

وها هي ذي التطورات الدبلوماسية والسياسية العالمية والإقليمية والعربية، والانفتاح الدبلوماسي الذي يوحي بانفراجة سياسية للأزمة السورية، ويلح فيها المعنيون بالسياسة الوطنية السورية على ملاقاتها وفق الثوابت والمصلحة الوطنية السورية وبما يصون سيادتها على كامل ترابها. وأرى أن هذا الانفتاح الدبلوماسي العربي والإقليمي وما يشير للانفتاح الدولي على سورية قريباً، يعتمد إنجاحه وطنياً على نوع الرياح الموجهة لشراعه، أهي لتدوير الزوايا؟ أم لتوسيع سطوح الانفراجات الحقيقية لمصلحة الشعب السوري خاصة وشعوب المنطقة بعامة؟ وهذا ما ستنبئ به آلية الاستثمار الوطني الداخلي لهذا الانفتاح، وبكل الأحوال ستكون مفيدة من جهة إنهاء الأزمة وإعادة الأمن والاستقرار الداخلي، وستكون أكثر فائدة إذا تضافرت جهود كل القوى الوطنية المعنية بمصالح الشعب والوطن، وسارعت بتفعيل آلية الحوار الوطني فيما بين جميع مكونات الشعب السوري الثقافية متمثلة بتنظيماتها وقواها السياسية لملاقاة الانفتاح والتطورات الدبلوماسية الجديدة.

ومن الضروري توجيه الحوار لاستثمار تلك التطورات والانفتاح فيما يخدم السيادة الوطنية، وضمان المساواة والعدل في الحقوق والواجبات للمكونات والأفراد، ووضع أسس لبناء دولة المواطنة وصيانة وحدتها ووحدة شعبها، والتي يجب توفير ما يضمنها من مراسيم وقوانين يكفلها الدستور الحالي في حال تعديله، أو في دستور جديد يضعه السوريون أنفسهم من خلال حوارهم الذي يجب أن يفضي لمؤتمر وطني جامع، يكون مصدراً لمخرجات حل الأزمة السورية وبآليات شرعية.

وفي ملاقاة تلك التطورات والانفتاح الكامل المرتقب واستثمارها، من المهمّ إحياءُ الاقتصاد الإنتاجي بفرعيه الزراعي والصناعي ودعمهما، في ظل مشروع وطني يكفل التنمية المستدامة والتبادل التجاري الخارجي، شرط الحفاظ وحماية المنتجات الوطنية ومنتجيها وفي إطار المصلحة المتبادلة، ولنجاح هذا النموذج الاقتصادي لا بد من تنشيط الأسواق االداخلية ورفع مستوى التسوق فيها وبما يضمن زيادة النمو الاقتصادي الحقيقي الذي يعكسه الوضع المعيشي للمواطن العادي، ولا ينعكس ذلك إلا من خلال تحسين الوضع المالي وتوفير السيولة النقدية لدى القوى والشريحة الكبيرة المستهلكة والمحركة للأسواق، والذي يمكن تحقيقه برفع الأجور والمعاشات للعاملين في الدولة ولدى الجهات الخاصة، بما يتناسب مع أسعار السلع واحتياجات المستهلك المعروضة في الأسواق.

ولا شك في أن سورية بإرثها التاريخي والمتميز بوطنية كل مكونات الشعب السوري المعهودة في صد المخاطر الخارجية، وشهرة قدرات كادحيها من العمال والفلاحين وأصحاب رؤوس الأموال النظيفة، التي عملت في المجال الزراعي بشقيه الحيواني والنباتي وفي الصناعات المحلية التي كانت تعتمد على مواد الخام المحلية_ قادرة اليوم بجهودها وأدمغتها وخبراتها المتراكمة أن توصل بلادها إلى الاكتفاء الذاتي، كما أوصل أسلافهم البلاد في الربع الأخير من قرن العشرين إلى ذلك، ولربما يكون بشكل أفضل، وذلك بفضل ما اكتسبه المهاجرون والمغتربون من خبرات وأموال في دول الاغتراب التي هجرت إليها إثر اندلاع الأزمة. ولتشجيع تلك القوى على الإقدام والدخول إلى سوق العمل ومجال إعادة الإعمار، لا بد من وجود إدارة وطنية كفأة، إلى جانب مؤسسات مدنية ديمقراطية تكفل المساواة والعدل بعيداً عن التمييز المناطقي والثقافي وتعمل بنية حسنة، وبناء الثقة بينها وبين تلك القوى الوطنية المنتجة في مناخ يسوده الأمن والاستقرار.

 

النمسا ١٥/٤/٢٠٢٣

العدد 1105 - 01/5/2024