هل نحن مقبلون على شرق أوسط جديد لشعوبه؟

إبراهيم الحامد:

ولمَ لا؟

في حال توفر الإرادة لدى نخبه من الساسة والقادة الغيورين والراغبين في خدمة شعوبهم، وآثروا ذلك على المصالح الضيقة.

لقد دفعني إلى هذا السؤال، المتغيرات الدراماتيكية المتسارعة في العلاقات الدبلوماسية، بغضون أسابيع قليلة، والتي كانت مفاجئة للبعض وصادمة للآخرين، وباعثة بالأمل لشعوب شرق الأوسط عامة وسورية والمنطقة العربية بخاصة، وهنا أستذكر مقولة مشهورة (رمال الشرق الأوسط المتحركة)، التي استخدمها السياسيون كناية لعدم إمكانية تطويع هذه المنطقة تاريخياً من قبل الغرب لمشاريعهم وشعاراتهم الرنانة!! وذلك لتوق شعوب هذه المنطقة للتحرر والعيش الكريم في بلدان مزدهرة، بعد أن عانت ما عانت من الويلات.

فهل سنشهد انهياراً دراماتيكياً متسارعاً للمشروع الأمريكي المرسوم من قبل دوائر استخباراتها واستخبارات بعض دول شرق الأوسط المتعاونة معها وبعض المرتزقة من الساسة والعاملين في منظماتها العالمية المقنعة بشعارات براقة.

إننا نلاحظ ما يشبه انقلاب الشرق الأوسط على نفسه، أو ما يبدو أنه إعادة قراءته بعيون قادتها للتكفير عما سبق من ممارسات بحق شعوبهم وأوطانهم، التي كانت تمهد وتسهّل تمرير المشاريع الغربية عامة والأمريكية بخاصة، وأوصلوا أوطانهم إلى ما هي فيه الآن من أزمات وضعف وتقليص الإنتاج والركود الاقتصادي والمعاشي والاجتماعي والتراجع التعليمي وسيادة قوى الفساد والمرتزقة العاملين على تنفيذ أجندات المشاريع الخارجية.

وما يشير إلى هذا الانقلاب هو الحراك الدبلوماسي المتسارع فيما بين الدول العربية من جهة، وبينها وبين الدول الإقليمية والعالمية من جهة أخرى، على عكس ما كان سائداً حتى الأمس القريب، وذلك بفضل دخول قوى عالمية جديدة بقوة لإعادة ترتيب العلاقات الإيجابية فيما بين الدول العربية، وما بين هذه الأخيرة والدول الإقليمية، وفق المصالح المتبادلة والحفاظ على سيادة الدول وعدم التدخل بشؤونها الداخلية.

فبالأمس كان قادة أمريكا يتعهدون بعزل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان – الذي طرح مشاريع إنتاجية وطنية مثال (مشروع الثلاثين) الذي على إثره جرى تنفيذ مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وأتهم به ولي العهد السعودي على غرار المرحوم الشهيد رفيق الحريري (رئيس وزراء لبنان الأسبق) الذي طرح مشاريع اقتصادية تنموية في لبنان وعموم المنطقة، فلقي ما لاقاه – وإذ اليوم ترى أمريكا نفسها قاب قوسين او أدنى للعزل من قبل السعودية وغيرها من الدول العربية والإقليمية.

وقبل أيام كان نتنياهو – الذي أعادته بعض الصواريخ للحكم -يبشر الصهاينة بفتح مكة وإقامة السلام مع السعودية من بوابة العداء المشترك لإيران – التي جعلتها أمريكا بعبعاً للسعودية وغيرها من الدول العربية – فسرعان ما انصدم نتنياهو باستئناف العلاقات السعودية مع إيران برعاية الصين، فأصيب بدوار الصدمة ولم يجد نفسه إلا في مستنقع (حوارة) القرية الفلسطينية الصغيرة وفي لجة مظاهرات داخلية ضده، فقد كان نتنياهو يحلم وعبر اتفاقيات الإبراهيمية أن تكون إسرائيل إمبراطوراً على الشرق الأوسط.

أليست سورية اليوم نفسها التي تكالبت عليها كل قوى الشر والمارقين من أجل تدميرها، ورئيسها نفسه الذي اجتمعت غالبية دول العالم بقيادة أمريكا لعزله طيلة اثني عشر عاماً من وجع السوريين وألمهم، فما الذي جرى، لتعيد علاقاتها الدبلوماسية مع معظم الدول العربية، وتتالت زيارة رئيسها إلى عواصمها؟ وهذا ما نستبشر به أن تكون عاصمتها بوابة لإعادة ترتيب شرق أوسط جديد يعود لشعوبه، وتزخر حضارته بتنوع الثقافات؟! وليذهب مشروع باراك أوباما وكونداليزا رايس وفوضاها الخلاقة إلى الأفول من غير رجعة.

نعم، نحن مقبلون على شرق أوسط جديد يكون لشعوبه، وسنرى أفول سطوة الغرب بقيادة أمريكا وحلفائها الإقليميين باستعلائهم ونظرتهم الدونية لشعوب الشرق الأوسط، حيث ألبوا فيها العرب على الكرد، والفرس على العرب والكرد، والإسلام السني العربي على الإسلام الشيعي الإيراني، وإلى ما هنالك من أساليب التجزئة والتفرقة والفتن، وبأيدي نخب المنطقة المتعاملين معهم.

ولقد أشار أيضاً الإعلامي الأمريكي الشهير وأهم منظري سياستها وصاحب كتاب (ما بعد أمريكا) الذي بشر فيه بتراجع أمريكا لصالح الصين، كما جاء في مقالة له في صحيفة (واشنطن بوست) منذ فترة ليست ببعيدة بعنوان (لماذا فقدت ولايات المتحدة الأمريكية مرونتها) وفيها عزا هذا التراجع إلى خلل أصاب عمق السياسة الخارجية الأمريكية، وختم مقاله بالقول: (لقد أفسدت مكانة أمريكا أحادية القطب النخبة في السياسة الخارجية للبلاد). وقال في تلك النخبة: (إن سياستنا الخارجية تدار من قبل نخبة منعزلة تعمل على الكلام الخطابي لإرضاء الجماهير المحلية، دون أن تعلم أو غير قادرة على أن تعرف أن العالم يتغير في الخارج وبسرعة).

وكذلك في هذا الشأن قال هنري كيسنجر (وزير خارجية أمريكا الأسبق) المعروف والموصوف بـ(ثعلب السياسة) في لقاء له مع الصحفي ديفيد إغناتيوس في صحيفة (واشنطن بوست): (إن تغييراً جذرياً سيحدث في الشرق الأوسط بعد الاتفاق السعودي الإيراني).

فهل نحن مقبلون على عالم متعدد الأقطاب ويكون الشرق الأوسط كتلة اتحادية قطباً فاعلًا فيه؟

إن ذلك برسم قادة الدول العربية والإقليمية والنخب السياسية للشرق الأوسط.

 

(النمسا، في ٢٣/٣/٢٠٢٣)

العدد 1105 - 01/5/2024