إنهم أحقر الناس

عباس حيروقة:

تحدّثنا في مادتنا السابقة عن الوجه الحضاري الأخلاقي الإنساني للمواطن السوري، الذي تجلّى في أبهى صوره في الزلزال الذي تعرضت له سوريّتنا النور، إذ رأينا تلك الحالات المشرّفة التي تعكس عمق وعيه الإنساني وعظمة جيناته الوراثية المجبول منها.

واليوم سنتحدث، بكثير من الحزن المشوب بالقهر والغضب، عن الوجه الآخر للمواطن السوري الذي كُشف عنه وبكل صفاقة ووقاحة وفجور، وهذا لا يعني أن ذاك الوجه لم يكن مكشوفاً في سنوات الحرب العجاف، بل في كارثة إنسانية كالزلزال بات ذاك الوجه أكثر رعباً وتشوّهاً وإجراماً.

نعم إنهم أحقر الناس، على حدّ قول سيد الفصحاء وإمام البلغاء علي بن أبي طالب عليه السلام يوم سأله سائل منذ 1400 سنة: من أحقر الناس؟؟ فأجاب: أحقر الناس من ازدهرت أحوالهم يوم جاعت أوطانهم.

نحن كسوريين وبعد ما يقارب 12 سنة من الحرب والحصار.. سنوات ساهمت وساعدت في تفشي الفقر والقهر والجوع والمرض والعطالة والبطالة و.. الخ، جاء الحدث الأكثر رعباً ألا وهو الزلزال الذي أسقط ورقة التوت عن عوراتهم.. إنهم أحقر الناس وأسفلهم وأشدهم قذارة ودناوة وانحطاطاً.

نعم هم الفاسدون الفاسقون المارقون الذين لم يعد يعنيهم أي الأشياء سوى جمع المال وبناء سلطان زائف.. هم من قال عنهم العظيم نيلسون مانديلا: الفاسدون لا يبنون وطناً وإنما يبنون ذواتهم ويفسدون أوطانهم.

نعم هم الذين سادوا وساسوا في سنوات الحرب العجاف، والمواطن السوري لم يعد ذاك الساذج البسيط المغفل.. هو اليوم العارف والمتبصّر في حال وطنه المكلوم، فيرى مافيات الفساد تجول وتصول تنهب في وضح النهار المال العام وتسلب حقه في ألف باء الحياة.

ولسنا هنا في وارد تعداد سلوكياتهم وأفعالهم، بدءاً من أولئك التجار والفجار الذين يتحكمون بقوت يومنا.. برغيفنا وسرقته في وضح النهار، وليس انتهاء برفع الأسعار في كل حين حيث لا رقيب ولا حسيب، مروراً بسرقة وسلب وانتهاك خيرات أرضنا ومواسمها وثرواتها، ثم معاودة طرح أقلها جودة مستوردة بالعملة الصعبة.. الخ من سياسات أرهقت الوطن والمواطن.

نحن اليوم جميعنا معنيون بالوقوف وقفة أخلاقية مهيبة مع وطننا سورية.. مع أنفسنا ومع الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم ليروا أطفالهم وأمهاتهم وإخوتهم يعيشون أعزاء في وطن عزيز.

الحرب بسنواتها العجاف.. والزلزال المدمر الذي ضرب وطننا وكشف عن صنفين من الناس: الأول أولئك البسطاء الشرفاء المؤمنون الذين استبسلوا في الدفاع عن وطنهم بكل ما يملكون من قوة وعزيمة، بدءاً من طالب المدرسة وليس انتهاء بالشرفاء من رجال الجيش العربي السوري، مروراً بالعامل والفلاح والتاجر النظيف وجميع شرائح المجتمع شركاء الخير والدفاع عن الإنسانية بكل ما تحمل من معانٍ، تجلّت في الحدث الجلل الزلزال حين تداعت هذه الشرائح لتكون معاً في غير حقل إنساني حقّ.

والصنف الآخر هو ذاك الذي قيل عنه إنه أحقر الناس.. ونحن اليوم كما قلنا يجب أن نكون أكثر جرأة في القول والفعل والتفكير على مبدأ أفلاطون حين قال: نحن مجانين إذا لم نفكر، ومتعصبون إذا لم نرد أن نفكر، وعبيد إذا لم نجرؤ على التفكير.

فلنتحرر من عبوديتنا.. من خوفنا، ولنصرخ صرختنا المدوية في وجه القبح والفساد والخراب الذي طال وطننا العظيم سورية!

لا مهادنة ولا وسطية في محاربة الفساد.. نحن أمام التحدي الكبير الذي يحتاج منا شجاعة وإيماناً و رفع الغطاء عن سدنته وأساطينه يجب أن تكون ألف باء صباحاتنا القادمة لأن الفساد من أهم الأسباب إن لم نقل السبب الأساس الذي أوصلنا إلى كل ما نعانيه اليوم من فقر وإفقار.. وهو السرطان الذي يمتد ويمتد في جسدنا الغض، وعلينا أن نسرع في معالجته قبل أن يستشري أكثر ويصبح مميتاً.

إن صمتنا وسكوتنا هو انسحاب مخجل، وعلينا أن نعزز ثقافة القيم الإنسانية وعلى رأسها النزاهة والشفافية وحرية الرأي، وكل هذا يقتضي قول الحق والإشارة إلى الفساد ومافياته لأنهم في النهاية هم الأكثر ضرراً لنا ولأنفسهم، وهم شر وفسق كما قال أرسطو: شرّ الناس هو الذي بفسوقه يضرّ نفسه والناس.

قد يقول قائل هذه كلها من فعل دول متآمرة ومنظمات هدفها تحطيم قلب العروبة النابض وضرب حركات التحرر العربية والدول الداعمة لها، وهم سبب بكل معاناتنا …الخ، نقول: نعم ربما يكون صحيحاً، ولكن لو لم يكن بيننا الفاسد والخائن والمتواطئ لما استطاع أحد تنفيذ ما أراد، وأضيف في الشعر بيتاً: لولا دواعش الداخل لما وصلنا إلى ما نحن عليه وبه اليوم.

ختاما نسأل:

هل يا ترى اتسع الخرق على الراتق؟؟ أم مازالت إمكانية المعالجة متاحة؟؟

علينا عدم الاختباء وراء إصبعنا وعدم التستر على العيوب.. الواقع قبيح جداً وعلينا ألا نخجل وألا نخاف وأن نجعل من كشف الفاسد وفضحه قضيتنا المشرّفة، وبالتالي من البداهة أن الحديث فيها مشرّف والدفاع عنها مشرّف أيضاً.

فكما قال نيلسون مانديلا: لا يدافع عن الفاسد إلا فاسد ولا يدافع عن الساقط إلا ساقط، ولا يدافع عن الحرية إلا الأحرار ولا يدافع عن الثورة إلا الأبطال، وكل شخص فينا يعلم عن ماذا يدافع.

+++++++++++

  • فلنتحرّر من عبوديتنا.. من خوفنا، ولنصرخ صرختنا المدوية في وجه القبح والفساد والخراب الذي طال وطننا العظيم سورية!
العدد 1105 - 01/5/2024