8 مليارات نسمة
أحمد ديركي:
الكرة الأرضية في حالة خطر كبير، وفقاً لمن يظن أن التعداد السكاني يشكل خطر عليها. لذا ضجت معظم الصحف، والباحثين، المتخوفين من التعداد السكاني، وبخاصة أن تعداد السكان قد وصل إلى عدد 8 مليارات نسمة على الأرض. فمن أين سوف يأكلون؟ من أين سوف يشربون؟ ماذا سوف ينتجون؟ وألف سؤال وسؤال حول إمكانية بقاء هذا العدد على الكرة الأرضية، مع الأخذ بالحسبان أن العدد سوف يتزايد مع مرور الوقت.
كلها أسئلة مشروعة إلا أنها أسئلة تحمل في طياتها إجابات تحمّل الجنس البشري (المتكاثر) مسؤولية تكاثره، وتفيد الأسئلة بأن الإنسان مسؤول عن أفعاله ودمار الأرض، وكأن البشر مجرد مجموعة أفراد متناثرين هنا وهناك لا علاقات بينهم، وكأن الفرد هو من يقرر كل مجريات ما يحدث، من التعداد السكاني إلى الفناء السكاني!
الواقع نقيض ما تخفيه الأسئلة المطروحة. لأن من مهام الإيديولوجيات البرجوازية إخفاء حقيقة الواقع وطرح أسئلة توهم بالإجابات الخاطئة، ما يؤدي إلى إجابات خاطئة معززة بالعلوم الطبيعية والرياضيات ضمناً. فتتحول حتى هذه العلوم إلى أدوات تخفي إيديولوجية من أوهم بالإجابات الخاطئة من خلال طرح أسئلة توهم بها.
نعم، تعداد البشر على الأرض بلغ 8 مليارات نسمة. والبشر ليسوا أفراداً، بل هم مجتمعات بشرية لها مكوناتها وقوانينها الحاكمة لطبيعة العلاقات الاجتماعية المتوافقة مع ظروف كل مجتمع وطبيعة نمط إنتاجه ومدى تطور هذا النمط الإنتاجي. من هنا تصبح مقاربة التعداد السكاني انطلاقاً من الفكر النقيض للفكر البرجوازي مسألة مغايرة عما يطرحه الفكر البرجوازي.
على سبيل المثال لا الحصر كيف تتوزع ثروة الـ 8 مليارات نسمة؟ ما دور احتكارية الثروة في التوزيع السكاني؟ ما دور مدى تطور نمط الإنتاج في المسألة السكانية؟ ما الإيديولوجية الحاكمة ورؤيتها للمسألة السكانية؟ ما دور الحروب في الحد من التعداد السكاني؟ لماذا هناك دول تعاني من نقص في سكانها؟ ودول تعاني من فائض سكاني؟ ما طبيعة اللعبة القائمة ما بين دول الفائض السكاني ودول النقص السكاني؟ وبهذا يمكن طرح ألف سؤال وسؤال مناقض لما تطرحه البرجوازية حول المسألة السكانية، لتوضيح ما إذا كانت الأرض تتسع فعلياً لهذا العدد المتزايد أم لا؟ أي المسألة ليست مجرد قراءة رقم ووضع لوم مآسي البشر على الرقم لتبرئة نمط الإنتاج القائم من كل ما يسببه من المآسي.