ما هي صورة المستقبل عندنا؟

يونس صالح:

إنه سؤال مطروح، وصعبة هي الإجابة عنه، إلا أن واقعنا الذي يضم عناصر متشابكة ومتداخلة بعضها مع البعض الآخر، ويتميز بإهدار كبير لفرص التقدم والنمو واللحاق بالآخرين، هذا الواقع يقدم صورة متشائمة عن هذا المستقبل، فهل هناك فرصة أمامنا تدعو للتفاؤل؟

يجيب البعض بأن هناك مخزوناً حضارياً لدينا يتيح تصحيح المسار عن طريق التوجه السليم لعناصر الدولة المختزنة في واقعنا المأساوي، مما يؤدي إلى ردم الفجوة التي تفصل بيننا وبين شعوب أخرى، إذا تجاوزنا أربع معضلات لا تزال تأخذ بتلابيبنا.

المعضلة الأولى: تغييب العقل وتحجيم الفكر، واصطناع عالم غريب يتقاذف فيه الناس بالنصوص، ويحتمون بالسوابق ويفرّون من مواجهة الواقع. ولقد أثمر تغييب العقل عندنا ثمرتين خبيثتين:

أولاهما: نقص المعرفة وفساد منهج التفكير والعجز عن حيازة لغة العصر وآلة التقدم والبحث.

وثانيتهما: انتشار الخرافة وسيطرتها على عقول كثير من السكان ووجداناتهم، ورفضهم لذلك التعامل مع نواميس الكون وقوانينه.

واعتقاد عدد كبير منهم أنهم يستطيعون أن يصلوا دون جهد، وأن يحققوا انتصاراتهم بغير عمل، ما داموا يعلنون شعار الإيمان، أو ينتظرون في شوق إلى منقذ لهم.

المعضلة الثانية: إسقاط قيمة العمل، فكثيرون جداً عندنا بضاعتهم الكلام، وصناعتهم زخرفة الكلام، تنقضي أيامهم ولياليهم وسنوات عمرهم دون أن يعرفوا أن العمل هو الذي يصنع الإنسان، وينسون أن للعمل أخلاقاً وآداباً تدعو إلى تكثيفه في حجمه، وتجديد في نوعه، وممارسة أقصى درجات الإبداع والتجديد في أدائه.

المعضلة الثالثة: قلة الاحتفاء بحرية الإنسان، في أن يقول ما يعتقد، وأن يعتقد ما ارتآه واطمأن إليه، وبأن تُصان حريته.

إن كثيراً من الناس عندنا لا يزالون عاجزين عن إدراك حقيقة الصلة بين الحرية وبين العطاء الحضاري، ويتصورون أن المقهور الذي تسلب إرادته وتنتقص حريته ولا تصان كرامته، يمكن أن يبني ويعطي ويقيم حضارة شامخة.

إن استرداد المواطنين لحريتهم هو كما اعتقد مفتاح السر الذي يفجر الطاقة، ويدفع إلى العمل والحركة ويفسح آفاق الإبداع.. أما الظلم والقهر فلا يولّدان إلا مهانة وذلاً وإحساساً بالعجز.

المعضلة الرابعة: فساد ذات البين، ويبرز ذلك من خلال التعصب السياسي والإيديولوجي والطائفي أو المذهبي أو العشائري والقبلي، ومن خلال التنابز السخيف العقيم بين الناس على هذه الأسس، الذي تغذيه الغفلة وضيق الأفق، كما تغذّيه أيضاً قوى أخرى خارجية لا تهتم ولها مصلحة بعدم ارتقائنا إلى مستوى العصر.

ونعود في نهاية هذه السطور فنقول إن المدخل، لعبور الفجوة التي تفصلنا عن العصر، وعن التقدم واللحاق بركب الحضارة المعاصرة، يتمثل في استغلال عناصر القوة عندنا وأدوات النهضة القائمة بيننا، وإجراء إصلاحات جذرية في كل المجالات، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية والثقافية والتعليمية.

فهل يرتفع بعض من يمسك الأمور عندنا إلى ذلك المستوى بحيث يستطيعون تجميع عناصر القوة عندنا، وتوجيهها لمصلحة الشعب، وتأمين الخطا على طريق المستقبل؟ إن ذلك وحده هو سبيل العبور.. وإلا!

 

العدد 1104 - 24/4/2024