لست بحاجة إليكم

أحمد ديركي:

مع كل نشرة أخبار تذاع في وسائل إعلام العالم العربي يتأكد لمن يعيش فيه ويحمل جنسية هذا (الوطن) العربي أو ذاك أنه ليس بحاجة إلى أن يستمع إلى نشرات الاخبار، لأنها مجرد أقوال سلطوية لا تمت إلى الواقع المعيش بصلة.

شعارات من هنا وشعارات من هناك وكلام يزاحم كلام ومواضيع إنشاء تتغنى بجمال الفصول والطبيعة والرخاء والخدمات السلطوية ومدى (عظمة) هذا القائد أو ذاك (الزعيم) وإنجازاته التي سوف (يخلدها) التاريخ، وكأن التاريخ ما وجد إلا ليكتب عنه وعن ما يقدمه لشعبه!

مجرد لمحة صغير أو جولة لا تستغرق أكثر من بضع دقائق ليتبين لمن ما زال لم يجد مفر له أو لها من العالم العربي، وتحديداً تلك البلدان التي تعاني من أزمات مفتعلة يتحمل مسؤوليتها من هم على رأس السلطة السياسية، عن مدى سعادة من بقي في العالم العربي.

لبنان: نسبة من يعيشون دون خط الفقر بلغت 80%، أي مدخولهم أقل من دولار يومياً. نعم، العملة التي يقاس بها خط الفقر هي الدخل بالولار. 5% من سكانه امتلكوا 80% من مجمل الودائع المصرفية عندما كان القطاع المصرفي من أقوى القطاعات المصرفية في الشرق الأوسط. طبعاً هرّبوا أموالهم قبل الانهيار. ارتفع سعر الصرف فيه من 1500 ليرة لكل دولار إلى 65 ألف ليرة بأقل من 3 سنوات، وصنف من قبل صندوق النقد الدولي على أنه أكبر انهيار اقتصادي منذ قرن. طبعاً مع غياب تام لكل الخدمات الطبية والنقل والكهرباء والماء… إلا لمن يملك ثمنها بالدولار.

مصر: نقلت القطاع الانتاجي إلى قطاع خدماتي وعملت على مركزة رأس المال في يد أصحاب السلطة السياسية والعسكرية إلى أن انهارت العملة المصرية وارتفع سعر الصرف فيها وخسرت العملة المصرية ما يقرب من 50% من قيمتها الشرائية خلال سنة واحدة فقط. وتصل نسبة من يعيشون دون خط الفقر إلى 28% من مجموع السكان. وها هي مصر اليوم تعرض قطاعاتها الإنتاجية للبيع، بمسمى الخصخصة.

العراق: البلد النفطي حدث ولا حرج فلم تعد العراق عراقاً بل أصبحت (عراقات) دويلات فقيرة يحكمها أمراء المذاهب، مثل لبنان. أمراء يملكون الثروات وشعب مقسم طائفياً يعتاش على فتات موائد أمراء الطوائف. يستجدي من الخارج من يعيله ويزيد من استغلاله، وأمراء طوائفه لا مشكلة لديهم ببيع ما تبقى من العراق لمن يشتري على شرط بقائهم على رأس السلطة السياسية ليزيدوا أملاكهم.

سورية: فقر ينخر عظم الفقراء، وغنى فاحش ينعم به الأغنياء. وليس مجرد قول، بل وفقاً لما ورد في جريدة (النور) في لقاء مع د. عمار يوسف يقول: (المواطن العادي إذا أراد أن يشتري بيتاً في سورية حسب دخله فإنه يحتاج إلى 300 سنة حتى يشتري بيت بشرطين أولاً أن تبقى أسعار العقارات ثابتة دون تغيير، وثانياً أن يتضاعف دخله مرتين أو ثلاث وخلال هذه الـ 300 سنة لا يأكل ولا يشرب.. حتى يتمكن من شراء عقار) تعبير ليس بحاجة إلى مزيد من التفسير لمعرفة من المسؤول عن كل ما يعاني منه الإنسان الموجود على الأراضي السورية إن وجد فرصة عمل، ومن لا يعمل غير محسوب على الأحياء!

يا لها من معجزات يقدمها النظام السياسي في هذه الدول، وغيرها مثل السودان والأردن.. لمن يحملون جنسياتهم ليخلدهم التاريخ، وبخاصة إن كتب التاريخ من هرب من هذه الدول!

أما من أُجبر على العيش في هذه الدول، لعدم وجود مفر له، رغم أنه يدفع كل ما يجب عليه من ضرائب للدولة التي يعيش فيها ودولته لا تقدم له غير المزيد من الأزمات التي يجب عليه أن يدفع ثمنها وهو لا ذنب له فيها فلا مفر له من هذا الواقع إلا عندما يتشكل وعيه ويعي مدى استغلاله. حينئذٍ لا يكون بحاجة إلا إلى وعيه للواقع من دون أي فكر غيبي.

العدد 1104 - 24/4/2024