هل هناك ما يدعو للتفاؤل بمقدم العام الجديد؟

يونس صالح:

عندما رحبنا بمقدم عام جديد هو 2023 الذي أطل علينا، فمثلنا مثل ملايين البشر الذين يستوقفهم الانتقال الزماني كي يقفوا لحظة، ويطمحوا أن تحقق الأيام والشهور القادمة وضعاً أفضل لشعبنا وللإنسانية. ولكن شيمة التفكير العلمي الصحيح تختلف عن التكهن والتوقع غير المحسوب. التفكير العلمي يدعونا، إن أردنا استشراف المستقبل، أن ننظر إلى الماضي فنعي دروسه ونفسر نتائجه، فما الذين جرى في العام المنصرم؟

على الصعيد المحلي لاتزال الأزمة المجتمعية السورية تتعمق، ويتعمق ما يتلازم معها من أزمة اقتصادية خانقة، وتدهور مستمر في مستوى معيشة السكان في كل المجالات، وأزمات الطاقة والكهرباء والتدفئة، واستمرار تدهور الليرة السورية، وارتفاع الأسعار، وغياب سياسة لدى الحكومة فيما يتعلق بوقف هذا التدهور الاقتصادي والاجتماعي الذي تعاني منه البلاد، ثم جاء الزلزال فزاد الطين بلة، وتزايدت معاناة الشعب السوري مع استمرار المتاجرة بدمه، ورغم أن هناك بعض الملامح غير الواضحة تماماً لحل الأزمة السورية، إلا أن المؤشرات تؤكد أن العوائق الداخلية والخارجية التي تعمل لأجل إفشال أي حل لاتزال قائمة.

وعلى الصعيد الإقليمي، لاتزال مناطق الانفجار والتفجير متعددة، ولا تزال العلاقات بين دول الإقليم حيث الثروة المعدنية والموقع الجغرافي متأزمة.

أما بالنسبة للوضع العالمي، وظروفه السياسية والعسكرية، فهما يشهدان تأزماً كبيراً، فالحرب الروسية الأوكرانية لاتزال مستمرة ومتفجرة، وتهدد بحرب عالمية، إذا وقعت، فستكون باهظة الثمن والتكاليف، ويمكن التأكيد أن هذا التأزم العالمي تكمن أسبابه العميقة في بنية النظام الرأسمالي نفسه، ولأن نتائج هذا التأزم ينعكس على العالم بأسره، وعلينا على وجه الخصوص، والاضطراب في أي جزء فيه يسبب اضطراباً في أجزاء أخرى، فالاقتصاد بمعنى الكلمة اليوم (عالمي) ونتائج هذا الاضطراب يمكن أن تكون عالمية بشكل أخطر مما كان سابقاً.

إن الفكر الرأسمالي السائد يحاول أثناء التطبيق تعديل مساره نتيجة الأزمات التي يمر بها، إلا أن القضية في نظري هي أبعد من ذلك قليلاً، فهي ليست مقصورة على المدخل الاقتصادي البحت، وإن نظرنا إليها كذلك فإن تلك النظرة على الأقل قاصرة!

يذهب بعض المفكرين للقول بأنه لا يوجد (علم) اقتصاد أو (علم) سياسة، بعيداً عن واقع المجتمع وتفاعلاته، وأحسب أن الخبرة السابقة في السنوات الماضية قد أثبتت جزئياً هذه المقولة.. فهناك (نظام اقتصادي اجتماعي سياسي) متكامل يجب النظر إليه وتحليله، لا اقتصاد فقط أو سياسة فقط.. إلخ، وفي العزل القسري لمكونات المجتمع التي هي واحدة في الواقع، إضرار بالفهم الصحيح للمشكلة الهيكلية.

في الماضي غير البعيد كان (النظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي) الذي يعيش الناس في ظله يؤخذ على أنه أمر واقع لا خيار للناس فيه ولا سبيل إلى مناقشته، وكان الناس الذين يعيشون ذلك الزمان والذين كان مصدر دخلهم في الغالب هو استغلال الأرض، أناس فقراء، وبالتالي كانت هناك فئات من الناس الذين لم يكونوا يشعرون بالسعادة، إلا أن الكثيرين منهم كانوا يرجعون السبب في شقائهم، إما لأشياء ملموسة أو لأمور حدثت بالصدفة، لسوء الحظ أو سوء الصحة، أو صدفة المولد، أو مكائد الأعداء، وقد يرمونها إلى أسباب بعيدة عن الإدراك الحسي، كأن يرجعوا السبب إلى الطبيعة البشرية أو القدر، أما فكرة وجود خلل في النظام الاجتماعي، وكون هذا الخلل هو أحد الأسباب المهمة لهذا الشقاء والتعاسة البشرية، فلم تظهر إلى الوجود إلا في العصور المتأخرة، فظهرت نظريات عديدة لشرح مسيرة البشرية وتفسيرها وتوقع ما سيحدث فيها. هذه النظريات اعتمدت على فكرة رئيسية هي أن الفقر والظلم والفاقة من صنع الإنسان، وأن الخلل الاجتماعي ما هو إلا نتاج لقرارات وتصرفات بعض البشر والأنظمة التي يختارونها لتسيير حياتهم. لذلك جاءت الكتابات الكثيرة في شرح عيوب النظام الرأسمالي الذي يُحلّ (الأرباح) محل كل القيم الإنسانية، ويعتبر أن (الثروة) هي أحسن ما في الوجود، لأن الإنسان يمكن أن يحصل على كل شيء بواسطتها، ويتجه الناس في هذا النظام للبحث عن الثروة. في إطار هذه الفلسفة تصاعدت الأزمات في المجتمعات القائمة على قاعدة العلاقات الرأسمالية، وفي مجتمعات العالم الثالث كما يقال التي سقطت تحت وطأة الديون، وبيع إنتاجها بأبخس الأثمان.

في عالم كهذا لا يوجد مع الأسف أي أمل للتفاؤل، وفي واقعنا فإننا ننظر إلى العالم الجديد بخيفة ووجل، فهناك حرب في اليمن تمول آلاتها الحربية دول رأسمالية وخليجية عدة، وهناك انخفاض في الأسعار الحقيقية للصادرات سواء كانت نفطاً أم غيره، وهناك مشكلات اقتصادية وديون خارجية يئن تحت وطأتها كثير من العرب، كل ذلك إلى جانب فشل كبير في الكثير من خطط التنمية، وفي الوقت نفسه تتأرجح كثير من البلدان العربية بين (انفتاح) اقتصادي على أسوأ أشكاله الرأسمالية تطبيقاً أو (انغلاق) غير مصاحب بتنمية مصادر حقيقية للثورة. إن هذا الواقع يشكل حالة ذهنية خطيرة تعمل على تقويض الأمن العالمي وإثارة الفوضى في أرجاء المعمورة.

هل كنت متشائماً أكثر من اللازم في الترحيب بالسنة الجديدة؟

أرجو أن لا أكون كذلك، ولكن كل ما حولنا لا يدعو إلى أي تفاؤل.

 

العدد 1104 - 24/4/2024