حقد سيمون دي بوفوار على البلاشفة

بولس سركو:

قرأت مؤخراً ترجمة الدكتور مروان أسبر لرواية الكاتبة والناشطة الوجودية الفرنسية سيمون دي بوفوار (1908-1986) (فتاتان لا تفترقان) التي كتبت عام 1954 ولم تُنشر أثناء حياة الكاتبة بطلب من زوجها جان بول سارتر، بسبب احتوائها على الكثير من التلميحات المثلية، بحسب ما جاء في تذييل منشور على الصفحة الأخيرة، لكن لا أحد ممن قرؤوا نتاج سارتر الفكري والأدبي يمكن أن يصدّق أن ذلك هو السبب الحقيقي لعدم النشر، فالأرجح أن سارتر لم يكن مقتنعاً بالسويّة الأدبية للرواية. وهو ما تكشفه مطبّات من نوع الدعاية السياسية الفظة فشلت الكاتبة في حبكها بطريقة ملائمة، فبدت محشورة حشراً من خارج السياق العام المنحصر بصديقتين (الكاتبة إحداهن) تكبران وتنهاران، ويتخلل ذلك غوص في أغوار المشاعر والعواطف المثلية وتمرد على الأعراف السائدة وصرامة التربية الدينية، فهو سياق لا يحتمل أدنى حشر لقضايا سياسية بعيدة كل البعد كما ورد في عبارة: (أبي كان يتكلم باستمرار عن مدينة نهبها البلاشفة)_ ص37، وفي عبارة: (البلاشفة وشرور الحياة قد دمروا والدي)_ ص96 والعبارتان إضافة إلى الحشو المصطنع غامضتان بذاتهما، فلا تحديد للمدينة المنهوبة ولا لماهية شرور الحياة ولا لعلاقة البلاشفة الروس بأيّ حدث من أحداث الرواية، ولا تمهيد مسبق ولا تفسير لاحق لهما، وبإمكان قارئ عادي قليل الاطلاع على السياسة كشف كمية الحقد لدى سيدة تنتمي إلى الطبقة المخملية الباريسية ونظرتها المتعالية وافترائها على مناضلين إنسانيين شرفاء، ومحاولتها تكريس صورتهم في ذهنية القراء كرعاع ولصوص من خلال العبارتين، والحقيقة أن البلاشفة أو (بولشفيك) هي كلمة روسية تعني (الأكثرية) أطلقت عام 1903 على أنصار لينين ورفاقه في مواجهة (مونشفيك-الأقلية) بقيادة مارتوف وبليخانوف، أثناء الصراع داخل حزب العمال الاشتراكي الروسي الذي انتهى لصالح البلاشفة الذين قادوا الجماهير إلى نصر تاريخي مظفر قبل 37 عاماً من كتابة الرواية، فأقاموا أول سلطة للعمال والفلاحين في روسيا، سلطة لا شبيه لها في التاريخ الإنساني، لم تنهب بل العكس تماماً، أعادت الحقوق المنهوبة لأصحابها، وخلال أسابيع قليلة من الثورة قضت على القنانة والملكيات الإقطاعية والاجتماعية، وسلّمت الأراضي للفلاحين لتصبح ملكية الشعب كله، وقضت على عدم المساواة في حقوق النساء وعلى الاضطهاد القومي في جميع مجالات الحياة، وفصلت الكنيسة عن الدولة والتعليم.

البلاشفة خلال 16 عاماً من وجودهم في السلطة استخدموا أموال الدولة لبناء المساكن المجانية للناس، ووفروا لهم أيضاً الصحة والتعليم المجانيين، وأنشؤوا نظام علوم وصناعة من الدرجة الأولى، وفوق ذلك دعموا كل حركات التحرر الوطني في كل دول العالم، البلاشفة لم ينهبوا مدناً بل حرروا الكادحين من شرور الحياة التي يولدها نظام النهب الرأسمالي، الذي عاشت سيمون دي بوفوار تحت عباءته وتشربت ثقافته وقدمت خدماتها إليه على طبق من ذهب.

العدد 1104 - 24/4/2024