من مفاجآت العام السعيد

حسين خليفة:

آهٍ مِن وَجعِ العُمرِ

أشعرُ أنّي تعبتُ..

وأنّ رِياحَ المَساءِ

تَجيء ذِئاباً

نَعم يا صَبيةُ

أتعَبَني العُمرُ

قلبي عَتيقٌ عَتيقٌ عَتيق

ولٰكِنَّهُ مَثلَ

كُلّ البُيوتِ الكَبيرةِ

بَيتٌ كَبير.

(مظفر النواب)

 

هكذا هدأت موجات الاحتفالات بقدوم عام جديد سعيد، خفتت المعايدات والتمنيات، وانطفأت أضواء المولدات و(اللدّات) و(الأنفرترات)، ونام بعض السهارى وأكمل آخرون سهرهم حتى بزوغ الصباح ليمضوا يومهم الأول من العام الجديد نائمين.

الكثيرون، بل الكثيرون جداً من السوريين، لم يحتفلوا، أو لنقل استقبلوا عامهم الجديد بصمت وبلا أمل.

الفقراء، أغلبية سكان الكوكب المطلقة، المرضى والمعوزون، سكان الخيّام، المعتقلون في الزنازين المظلمة رغم أنها مضاءة طوال النهار والليل في عزِّ ندرة الكهرباء واختفائها تقريباً من حياة الناس العاديين في سجنهم الكبير.

إذا أردنا أن نسرد لائحة المحرومين من الفرح، من الأمل، من الكلام لاحتجنا إلى أكثر ممّا يتّسع له المقام كثيراً.

لكننا سنُصغّر الحجر ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، سنحفّه بجراحنا وأحلامنا المطفأة حتى يصغر أكثر فأكثر.

سنحاول رصد أهم تصريحات 2023 من نخب سورية، مسؤولين أو أشباه مسؤولين، دون أن نطلق أحكاماً أو تسميات على أحد منهم، دون ألقاب، أو لنقل مع عدم حفظ الألقاب.

سنحاول قدر الإمكان أن لا نُعلّق، أن لا نتدخّل، ونترك للقارئ الكريم أن يعرف اسم القائل والأوسمة والنياشين التي يحملها تحسباً من قانون الجريمة الالكترونية من جهة، وترك القارئ الكريم يقيّمها في مختبره الشخصي من باب حرية التفكير والرأي الشائعين في بلدنا الحلوة.

من (التريندات) التي طغت على وسائل التواصل وأحاديث الناس، ما قاله عضو مجلس شعب ومكلف بأكثر من ملف على المستوى الوطني، عن موضوع الكهرباء الذي وصل إلى حدود ما بعد بعد القرف والاشمئزاز والكفر بكل الوعود والتصريحات والتطمينات التي جاءت من السلطة على اختلاف مواقع المسؤولين فيها، وبعضهم من أصحاب القرار النافذ وضعوا مواعيد كاذبة لبدء حلحلة الأزمة الكارثية على المواطن والاقتصاد والتعليم والإعلام والحب والأرواح أيضاً.

هذه المادة مثلاً أكتبها على ضوء اللد المُتهالك الشحيح من قصر فترة شحن البطارية المغذّية له (أقل من نصف ساعة كل سبع ساعات) لذلك أعتذر من المصحح إن كانت الحروف قد اختلطت وصارت المعاني غامضة، وأتمنى أن يكون لديه في الجريدة الضوء الكافي لرؤية الأخطاء الكهربائية في المقال، أو لا يذهب عمله على شاشة الكومبيوتر هدراً بسبب انقطاعات مفاجئة متتالية كما هي العادة الآن في زمن التغذية الترددية.

استطردنا في الموضوع لأنه جارح ومؤلم كما لو أنه مذبحة صامتة، وهو كذلك.

نعود إلى موضوع عضو مجلس الشعب، وأستاذ القانون، وعضو الوفد المفاوض الذي لم يخطُ خطوة واحدة إلى الأمام منذ سنوات بسبب التآمر الامبريالي الصهيوني الرجعي طبعاً.

السيد العضو قال في ندوة تلفزيونية عن الكهرباء ورداً على (أخ مواطن) اشتكى من ساعات الانقطاع الطويلة، بأن الدولة إذا أعطت المواطن الكهرباء على مدار الساعة بلا انقطاع فلن يتمكّن المواطن من تسديد فاتورة الكهرباء التي ستتجاوز حينئذٍ المئتي ألف ليرة!! إي والله هيك قال.

طبعاً يمكن قراءة كلام النائب من أكثر من زاوية، سنورد اثنتين منها درءاً للفتن وسوء التفسير.

فمن جهة يرى البعض أنه يدافع بكلامه هذا عن الحكومة والأزمة المتفاقمة، ويبحث عن مبررات واهية لها بوضع هذه الحجّة الأقبح من ذنب.

فيما يرى آخرون من حَسَني النية بأن كلام النائب هو غمزٌ من قناة السلطة التي جمّدت الرواتب والأجور منذ سنوات طوال (الزيادات المجهرية التي صدرت لا تعتبر نسبة يعتد بها أمام التضاعف الرهيب لتكاليف المعيشة)، فيما أطلقت العنان للغلاء الفاحش المترافق بفقدان المواد الأساسية مثل المحروقات وتسرّبها إلى السوق السوداء بأسعار حرة جداً، وفي هذه الأيام تحديداً تمتلئ طرقات دمشق وريفها، وباقي المحافظات، بباعة البنزين (الأسود) المُهرّب من لبنان ومن مصافي الدولة كما يقول مغرضون، والجديد في الأمر، إضافة إلى كثافة الباعة، هو اللباس الموحد لهم من جهة، والنموذج الموحد للبيدونات المعبأة بالبنزين، وكأن الإخوة المهربين كلهم يعملون لدى (معلّم) واحد لديه معمل لهذه البيدونات إضافة الى إمكانات ضخمة وصلاحيات كبيرة تخوّله تأمين هذه الكميات الهائلة من البنزين، كما يلفت النظر اتباع هؤلاء العاملين بسواعدهم طريقة للدلالة على (البضاعة) بالتلويح بقنينة كولا فارغة، قُصّت من طرف لتصبح قمعاً جاهزاً لتعبئة السيارات الراغبة في شراء (البنزين الحر)، ويا حرية ويا نجمة مضوية!

كُنّا في وارد عرض أهم ما خرج به علينا المحللون والمنجمون والساسة في مطلع هذا العام، لكن تصريح نائبنا خطف الاضواء والمساحة الممكنة للمقال وجعلنا نؤجّل قراءة بعض المداخلات الغاضبة من بعض النواب الذين استفاقوا فجأة على الغلاء والفساد والمحسوبيات وحصر الاستثناءات في حصر الاستيراد النظامي والمهرّب بفلان وعلتان كما قال نائب غاضب مؤخراً.

يظنُّ بعض المحللين ـ وبعض الظن ليس إثماً ـ إنّ هذه الحملة هي تكليف لهؤلاء من قبل من أوصلهم إلى المقعد النيابي، وتمهيداً لتغيير حكومي ربما، لتصبح الحكومة (السابقة) هي الشمّاعة التي ستُعلّق عليها كل بلاوينا إلى اشتعال آخر للأسعار، والله أعلم.

وعدنا أن لا نتدخل في الحديث، وها نحن نترك لكم التعليق صمتاً على ما يرد من مداخلات غاضبة وغير مألوفة من نوابنا الأشاوس وهم ينتفون ريش الحكومة، ويهدّدونها بالويل والثبور وعظائم الأمور، بعد أن صار البلد في عهدها مرتعاً لتجّار الحرب والمهربين وتجّار الصنف الذين (لا يشيلون الحكومة من أرضها) بعد أن يسحبوا سحبة من الصنف أو يبتلعوا حبة من ذلك العقار الجميل.

لن أعتذر من المدقق اللغوي لأن عذرنا واحد وهو يعيشه مثلنا، فليتحمّل ما اقترفته يد القدر فينا.

العدد 1105 - 01/5/2024