أعناقنا المطوّقة

وعد حسون نصر:

نحن، السوريين، طوّقَنا الهمّ، وكبّل أيدينا الخذلان، بات الليل نهاراً نصحو فيه، لا لنُعدَّ النجوم ونكتب الأشعار ونسمع أغنيات الحب ونقرأ روايات وأساطير الأقدمين، بل لنملأ خزّان الماء، واشغّل غسّالة الثياب، وننعم بساعة كهرباء كاملة نرى فيها النور بعد غيابها ليوم كامل.

لم تعد حقولنا وبساتيننا للنزهة في يوم مشمس وجميل ودافئ، بل باتت لجمع الحطب وأغصان الشجر علّنا نحظى ببعض الدفء في سهراتنا المظلمة الباردة، لم نعد نشتم رائحة الدفء المتصاعد من مداخن المنازل، بل بتنا نشمُّ رائحة البلاستيك والملابس والأحذية التي باتت مصدر الدفء لنسبة كبيرة من السوريين.

سماؤنا تلبّدت بغيوم سوداء مجبولةً بقهرنا، طرقاتنا حزينة تعجُّ بالمارّة ذوي الوجوه الشاحبة والأفكار الغارقة بالهموم، أفواهنا غابت عنها الابتسامة وآذاننا لم تعد تسمع قهقهة الفرح، بتنا نسمع صوت بكائنا في داخلنا، وبكاء الآخرين نراه في عيونهم.

عاماً بعد عام يموت السوري ببطء منتظراً ساعة كهرباء أو بضعة ليترات من مازوت التدفئة. عاماً بعد عام تغيب عنّا فئات شبابية خرجت لترسم أحلامها بعيداً عن هذا المستنقع، وتركت أبوين لا ونيس لهما سوى صورة على الجدار وتسجيل صوتي في جوال.

عاماً بعد عام تزداد على السوري عقوبات لا ذنب له فيها إلاّ لأنه رفض أن يغادر سورية على أمل القادم أفضل، فبات الحاضر مريراً والقادم لا يبشّر بشيء.

غرق السوري في الماضي وصار التاريخ رمز سعادته، يرفض أن يغيّر التقويم خشية قادم مجهول ولا جديد في بلاد سُرق الفرح منها، ينال الحزن الحصّة الأكبر لشعبها الصامد حتى اللحظة دون أمل.

العدد 1105 - 01/5/2024