هكذا تجري صناعة الرأي العام!

طلال الإمام_ السويد:

من نافل القول الحديث عن تصاعد استخدام مختلف وسائل الإعلام من أجل خدمة أجندة محددة تضعها مؤسسات، أحزاب أو هيئات ترتدي لباس (الحياد) ترمي إلى غسل دماغ المتلقي وبالتالي تكوين رأي عام يخدم أجندتها. إذا عدنا إلى سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية نجد أن وسائل الإعلام في أمريكا والدائرين في فلكها في مختلف البلدان كانت تركز على (بعبع) الشيوعية. بعد انهيار المنظومة الاشتراكية وحادثة الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) جرى اختراع (بعبع) آخر هو الإسلاموفوبيا، ودعم منظمات إرهابية للقيام بأفعال تصب في خدمة أجندة من يدعمها. الآن وبعد بدء الحرب في أوكرانيا، بدأت آلة الدعاية التي تسيطر على كبريات وسائل الإعلام (المرئية والمكتوبة) عملية غسل دماغ/ تجييش واسعة للرأي العام الأوربي والعالمي. اتخذت تلك الحملة أشكالاً مختلفة هدفها واحد: تسويد كل ما هو روسي (رياضة، أدب، موسيقا، فن، ملبس ومشرب) مع تعبئة الرأي العام في البلدان الأوربية وتخويفه من (الخطر) الروسي المحدق، من أجل توسيع حلف الناتو لأهداف واضحة. في الوقت ذاته غياب أية مفردة في تلك الوسائل تدعو للسلام وحل قضايا الخلاف بالحوار.

للأسف تساهم في هذه الحملات مؤسسات وهيئات ترتدي قناع الحياد.

أحد تلك الأساليب هو الاستبيانات التي تجريها هذه المؤسسة أو تلك مدّعيةً أنها تهدف لمعرفة اتجاهات الرأي العام، وفي الحقيقة هي توجيه الرأي العام في المنحى الذي تريده.

سأتوقف عند استبيان وزّع في السويد على أعضاء نقابة حدثني عنه صديق. نجد أن أسئلة الاستبيان اختيرت بدقة واضحة الهدف لكل مطلع، وتداخلت بين مسائل معيشية، حياتية (السكن، الاسرة، السياسة الاقتصادية، عن الأحزاب ولمن صوت في الانتخابات الأخيرة وقبلها، التضخم، ارتفاع تكاليف المعيشة، سياسة الهجرة والاندماج، المساواة بين الجنسين، قضايا النسوية، الطاقة، أسعار الكهرباء، مسائل تزايد الجريمة في المجتمع السويدي: حرق سيارات، إطلاق نار وقتل بين العصابات، البيئة والمناخ).

نلاحظ أن الأسئلة السابقة كلها تتعلق بالحياة الداخلية للبلد والمواطن، وهي مشروعة إلى حد كبير إذا اتفقنا أن الهدف من الاستبيان، كما هو معلن، معرفة اتجاهات الرأي العام في المسائل التي تهم حياة المواطن ومعيشته لتكون عوناً للحكومة والمؤسسات في وضع سياساتها. حسناً!

لكن بين هذه الأسئلة التي تتعلق بقضايا داخلية تهم المواطن حُشرت أسئلة من شاكلة:

*الموقف من الاتحاد الأوربي والاتحاد الاقتصادي والنقدي الأوربي.

ثم يأتي سؤال:

* حول مسائل الدفاع والخوف من عدوانية روسيا (هكذا جاء السؤال حرفياً)!؟

يمكن أن نقرأ هذا السؤال في سياق حملة التجييش الواسعة في مختلف وسائل الإعلام السويدية من الخطر الروسي، والدعوة للانضمام إلى حلف الناتو، بل والمطالبة بنشر أسلحة نووية في الأراضي السويدية، دون أي حديث عما فعله أو يفعله حلف الناتو في البلدان الأخرى، أو حول سياسة الولايات المتحدة في احتلال أراضي الغير وتأجيج نزاعات وحروب في مختلف البلدان.

هذا أحد نماذج تكوين الرأي العام وفق اجندة تخدم أهدافاً بعيدة.

كان غوبلز وزير الدعاية الهتلرية يردّد: (اكذب ثم اكذب، ثم اكذب، فلا بدّ أن يصدّقوك!).

العدد 1105 - 01/5/2024