خارج الموضوع

د. أحمد ديركي:

عند البدء بالكتابة لا بد من تحديد موضوع للكتابة عنه. فتحشر من خلال هذه الآلية اللغة ضمن الأطر المرسومة للموضوع المراد مناقشته، وإن لم تكن ضمنه تصبح خارج الموضوع. ولتحديد الموضوع لا بد من وجود فكرة عنه قبل البدء بالعمل عليه لاختيار اللغة المناسبة لمقاربته. والمقاربة هنا بمفهومها العلمي هي الدخول بالموضوع من وجهة نظر تعتمد على العلوم، أو علم بعينه يختص بالموضوع المراد مقاربته.

لحسن الحظ، اللغة مسألة جميلة تسمح للجنس البشري بالتواصل وإن خرج المتحدث، أو الكاتب عن الموضوع. صحيح أن الخروج عن الموضوع يؤدي إلى ضياعه، لكنه لا يؤدي إلى ضياع اللغة بمفهومها التواصلي.

في عالمنا العربي لحسن الحظ ما زالت اللغة موجودة لكنها تاهت عن مقاربة الموضوع. لماذا تاهت اللغة عن مقاربة الموضوع؟

سؤال قد يبدو غريباً عن أرض الواقع. كيف للغة أن تتوه عن الموضوع، أو الموضوع يتوه عن اللغة، ما دامت اللغة تتصل بالموضوع اتصالاً عضوياً!؟

استطاعت الأنظمة السياسية في عالمنا العربي أن تقود مواطنيها، رغم أن هذه الكلمة لا تنطبق على واقع العربي، بل مصطلح الرعية أكثر انطباقاً، إلى تيه اللغة عن موضوعها. والمسألة سهلة وبسيطة، فعندما تتوه اللغة عن الموضوع يتوه الموضوع عن اللغة، فتصبح اللغة مجرد تعبيرات لا علاقة لها بما تشير إليه، وفارغة المضمون الفكري الذي تعبر عنه.

فكلمة مواطن عند استخدامها في غير موقعها الصحيح تمثل تيه اللغة عن الموضوع وتيه الموضوع عن اللغة. وما أكثر الأدلة على هذه المسألة. فحتى تاريخه ما زال النقاش قائماً حول مفهوم المواطن في العالم العربي، وبمعنى آخر ما دام المواطن غير معرّف، فهذا يعني أن مفهوم الوطن غير معرف.

فكيف لنا أن نكتب مؤلفات ومؤلفات حول مصطلح المواطن وذكر كلمة مواطن في المسؤولين السياسيين وهناك خلل في تعريف المصطلح، والخلل هنا في أحيان كثير لا يكون في اللغة بل في الممارسة. فاللغة ليست فقط تعابير لفظية، أي صوتية، بل هي تعبير عن وعاء فكري يستلزم التطبيق العملي، وإلا أصبحت خارج موضوعها.

فأول ما يجب أن نقوم به في عالمنا العربي أن نعيد حلقة الوصل ما بين الموضوع واللغة، كي نصل إلى الحد الأدنى من التواصل بين خطاب المسؤولين السياسيين والشعب.

العدد 1105 - 01/5/2024