هل يمكن رصد جيل (زد) في سورية؟

صفوان داؤد:

إن مشاعر السخط والاستياء المتزايدة بسبب تدهور الإمكانات المعيشية، والتعليم والرعاية الصحية وكل مناحي الحياة، وأشكال التغريب والتهميش والإقصاء الذي تنتجه أطراف الصراع في سورية، سواء داخل مناطق سيطرة الحكومة أو خارجه؛ وكل هذا الألم الوجداني والمعنوي الذي تسبّبه ممارسات وأخلاقيات القوى المتحكمة في البلاد، يتحول إلى أشكال مقاومة ثقافية واعية نجدها بشكل فاعل في شريحة واسعة من جيل (زد) السوري، وهم ممثلون في الفضاء الرقمي كمواطنين نشطين يخلقون أرضية مجتمع سياسي افتراضي غير محزًب؛ أضحى مظهراً من مظاهر حياتنا المعاصرة.

ما هو الجيل (زد)؟ أو (Gen Zers): هو مصطلح أطلق على مَن ولدوا ووعوا على سهولة الوصول إلى الإنترنت والهواتف المحمولة، وتحدّد فترة ميلاد هذا الجيل بين عامي 1993 و2012، وهذا الجيل عاصر نظام التشغيل الأول مايكروسوفت عام 1995. يتميز هذا الجيل بأنه غير مؤدلج، ويختلف كثيراً في تعامله مع واقعه مقارنة مع الأجيال السابقة، ويختلف بشكل كبير جداً في الأولويات والاهتمامات، ونوعية القضايا التي تشغله ويدافع عنها. ويتميز هذا الجيل بأنه يميل للاستقلالية ويتسم بالواقعية، والميل إلى التعلم، ولديه طرقه الخاصة في التواصل وبناء الذات. لا تزال الإحصاءات والدراسات عن هذا الجيل محدودة ومتفرقة، لكن ما نشر عنه قال 33% منهم أن التقليل من احترام الذات، يمكن أن يكون عائقاً أمام نجاحهم الوظيفي، وإنهم لن يعملوا في أي مكان لا يكون لهم فيه رأي. ووفقاً لإحدى المؤسسات الغربية المختصة، يركز جيل (زد) على قضايا اجتماعية رئيسية من الأمن الاقتصادي، والمشاركة المدنية، والمساواة بين الأعراق، والبيئة، كذلك الرعاية الصحية، والصحة العقلية.

تاريخياً لا تُعتبر أفكارٌ مثل التغيير الاجتماعي غريبةً على الحركات الشعبية الرافضة لظلمها الاجتماعي، وعبّر العديد منها بأشكال مختلفة عن الرغبة في نظام وقيم اجتماعية بديلة، تحاكي الواقع. على سبيل المثال ما يحصل الآن في إيران واحتجاجات الشباب الإيراني ضد الحجاب، هو تعبير عن رغبة هذا الشباب بثقافة اجتماعية ملائمة لهذا العصر. في سورية يتطلع مجتمع (زد) إلى تغيير اجتماعي حقيقي يناسب تطلعاتهم، لكن للأسف هذا الجيل في تناقص مستمر بسبب الهجرة، أو بسبب سلطات الإكراه التي تُلزم انخراط أفراده في الصراعات المسلحة والحرب، بتبريرات مشوشة من الحجج (الأخلاقية) والديماغوجية المستندة على مفاهيم الوطنية والعقيدة الدينية.

يجب أن يدرك الجميع أن هذا الجيل هو الحامل الموضوعي والثابت للحفاظ على وحدة الدولة وبقائها، ويتجلى تأثيره على مستقبل البلاد من خلال استناده على تحول أرضية التنظيم السياسي بعيداً عن الأحزاب السياسية في سورية. إن استناد هذا الجيل على هذا التحول التاريخي، بغض النظر عما إذا كان منشؤه محلياً بسبب الاستبداد الذي أقصى الحياة السياسية الحزبية بعيداً عن المشهد السياسي، أو كان عالمياً بسبب العولمة وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي؛ يضعه على مسار تحول تاريخي في ديناميات العمل السياسي ما بعد الإيديولوجي بحسب هابرامس. إن ما يمكن أن يخسره هذا الجيل من عمق وتركيز من منظور النضالات السياسية التقليدية، يمكن أن يكسبه من براغماتيته في التعامل مع كم البيانات الهائل حول مواضيع معينة، وبذلك يمكن أن يستمد قوته من تجذّره في صلب تفاصيل الحياة اليومية المُثقلة في سورية. وأيضا التفاعل الإيجابي والتعاون مع مجتمع الأقران في أي منطقة من العالم. يمكن فقط الإشارة إلى نقطة ضعف حول دينامية هذا المجتمع، فبسبب التجدد السريع واليومي للبيانات، فإن الرؤى الشمولية العامة المتعلقة بفهم السياسات الكبرى قد تكون قاصرة عنه.

إن سياقات التدمير المُمنهح للبلاد عبر: الفساد المالي وتراكم الثروات غير الشرعية بأشكالها المختلفة مثل التراكم البدائي عن طريق طرد السكان من منازلهم، نظام الاتاوات، والمصادرات عن طريق التضخم؛ أو عبر الممارسات التدميرية اللاأخلاقية للبيئة (تدمير المحميات الطبيعية والسواحل والأحواض المائية)؛ أو عبر طمسْ الثقافات المحلية والتراث اللامادي وسرقة الآثار؛ أو عبر تراجع الدولة عن كل أشكال الرعاية الاجتماعية أو تقنينها. إن إيجاد الرابط العضوي بين هذه السياقات التدميرية يتطلب فهماً سياسياً مشتركاً وعميقاً للمسألة السورية. وإن تعقّب ديناميات عملية تراكم الثروات الفاسدة في سورية هي في الحقيقة مهمة أكاديمية استثنائية. يمكن عند إيجاد الشرط اللازم أن يقود أشخاص أكفاء من جيل (زد) السوري معالجتها ودراسة وتحليل ديناميات التراكم المذكورة أعلاه، لما يتمتعون به من قدرة على التعلم والكفاءة في التعامل مع الكم الكبير من البيانات، وتكيفه مع العالم الافتراضي، ومعاييره العالمية المرتفعة.

نأمل أن يحقق هذا الجيل ما لم تستطع تحقيقه الأجيال السابقة، وكما أن المجتمع هو مصدر السلطات فان جيل (زد) يجب أن يكون المحرك الدافع لهذا المجتمع خلال العقود القادمة.

العدد 1105 - 01/5/2024