ارحلي إلى الجحيم!

محمود هلال:

أيام قليلة وتسقط ورقة الروزنامة الأخيرة لهذه السنة ونودع سنة أخرى من سنوات الضياع من أعمار السوريين، سنة عانت فيها الغالبية العظمى من الناس الشقاء والتهجير والتعثر والفقر والجوع والقهر، سنة ضاعفت من هموم الناس وزادت من آلامهم وحملتهم الكثير فوق طاقاتهم، في ظل غياب شبه تام للكهرباء، وانعدام وسائل التدفئة من مازوت وغاز وغيرها، فضلاً عن الغلاء الفاحش لجميع المواد الغذائية والخضراوات والفواكه وغيرها. واللافت في هذه السنة ازدياد جشع تجار الأزمات أكثر فأكثر، إذ يستغلون انقطاع المادة وفقدانها فقد تجاوز سعر ليتر المازوت عشرة آلاف ليرة في هذا الشتاء، وحتى الآن العديد من الأسر السورية لم تحصل على مخصصاتها من المازوت، وكذلك ارتفعت أسعار الحطب فقارب 2000 ليرة للكيلوغرام الواحد والناس بدأت تستخدم ما تيسر لها من جوارب وألبسة بالية وبلاستيك وأحذية كوقود للمدافئ، والبعض يلتحف بالبطانيات ليلاً نهاراً فقط.

وكذلك زيادة أسعار المشتقات النفطية الأخيرة خلفت مشاكل أخرى في المواصلات والنقل، وزادت في أسعار جميع المواد والحاجات الأساسية للمواطنين، الأمر الذي يتطلب حلولاً ناجحة وسريعة ومدروسة، ويتطلب أيضاً زيادات حقيقية في الرواتب والأجور لكي يستطيع أصحاب الدخل المحدود الاستمرار والبقاء بشكل لائق وبحياة كريمة.

غريب أمر هذا الزمان، وكأن الأيام تدور دوراناً أسرع من ذلك الزمان الماضي بكثير، وكأن الوقت يضيق أكثر فأكثر، فيمضي العام دون أن نستطيع أن نحقق فيه أحلامنا، فندوّرها مرغمين إلى العام الذي يليه، وهكذا ننقلها من عام إلى آخر فتتضاءل وتنكسر! هل هذا هو شعوري وحدي؟ أم أن هناك من يشاطرني هذا الشعور؟ وهل هناك من يستطيع أن يوقف عجلة الزمن لكي نحقق أحلامنا المؤجلة، أو لكي تدوم اللحظات الجميلة التي عشناها في الزمن الماضي لوقت أطول؟  بدأت الرسائل والتهاني بالعام الجديد التي تحمل الصيغة ذاتها (نتمنى أن تحقق في هذا العام جميع أمنياتك، وأن تكون هذه السنة أفضل من التي سبقتها)، لكن يبقي السؤال: متى يأتي ذلك العام الذي نحقق فيه كل ما نتمناه؟ وإلى متى ستبقى أحلامنا مؤجلة؟ ما هو ملاحظ أننا نعيش في زمن يحمل الكثير من القلق والخوف والتوجس من المستقبل، هل سبب ذلك السرعة الزائدة التي نعيشها في هذا العصر، وأصبحنا غير قادرين على مواكبته واللحاق به؟ أم بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية عندنا وفيما حولنا التي تبشر بالبؤس والفقر والجوع والعنف، أم بسبب ما نسمعه ونشاهده عبر وسائل الإعلام كل يوم وكل ساعة يصدمنا ويزيد من إحباطنا ويقلل من نفحات التفاؤل في نفوسنا..

نسمع كثيراً من آبائنا وأجدادنا أنهم كانوا يعيشون أفضل منا، وأنا أستغرب كيف كان هؤلاء يعيشون أفضل، إذا كان كثير من وسائل الحياة الضرورية ووسائل الرفاهية معدومة في زمانهم، إذ كانوا لا يعرفون آنذاك الكهرباء ولا الاتصالات ولا التكنولوجيا ووسائل النقل شبه معدومة، وحتى النقود كانت قليلة؟  أعود وأكرر السؤال: لماذا يكون ذلك الزمان أفضل؟ هل لأن الناس في الماضي كانوا يتدبرون أمورهم الحياتية والمعيشية ببساطة أكثر، أم كانوا يعيشون على مبدأ (الحياة حلوة بس نفهمها)، ونحن الآن لا نستطيع فهم هذه الحياة، حتى بتنا نتحايل عليها؟ أم كان هناك تسامح أكثر ومحبة أكبر بين هؤلاء البشر، أم الطيبة والأخلاق الحميدة كانت موجودة عند الجميع، أم الجميع كانوا يعدون أنفسهم أسرة واحدة يساعد فيها الغني الفقير، فكانت أحوالهم بألف خير وعاشوا بأمان واطمئنان وراحة بال أكثر؟ بقي أن أقول ما علينا إلا أن نودع هذه السنة بكلمة ارحلي إلى الجحيم مع كل أوجاعك ومصائبك ومازال يحدونا الأمل أن يكون العام القادم أفضل وأجمل.

 

العدد 1104 - 24/4/2024