لماذا تبدّد التفاؤل بلقاء الرئيسين الصيني والأمريكي في (بالي)؟

د. صياح فرحان عزام:

في أعقاب لقاء الرئيسين الصيني شي جي بينغ والأمريكي بايدن، على هامش القمة التي جمعتها في بالي في إندونيسيا مؤخراً، ساد اعتقاد لدى المراقبين السياسيين أن ذلك اللقاء يمكن أن يخفف من حدة التوتر بين بلديهما ويحول دون مزيد من التصعيد، في إطار المساعي لإبقاء التنافس في إطاره السلمي من دون أن يتحول إلى صراع مكشوف. والسؤال: لماذا ساد هذا الاعتقاد وعلى أي أسس استند؟

استند الاعتقاد المذكور إلى تصريحات صدرت عن الرئيسين بعد الاجتماع الذي استغرق ثلاث ساعات ونصف الساعة، وأوحت بأنهما تمكنا من إرساء قاعدة للحوار والتفاهم، فقد شدّد الرئيس الصيني على استعداد بلاده لإجراء حوار صريح لبحث العلاقات الاستراتيجية المهمة بين البلدين، وأيضاً لبحث العلاقات الدولية القائمة، مشيراً إلى ضرورة المحافظة الدائمة على الاتصالات المفتوحة بين البلدين، مبيناً بوضوح أهمية وضرورة استمرار اللقاءات المباشرة بين الطرفين.

وعلى الرغم من اعترافهما بأن العلاقات بين بلديهما وصلت إلى مرحلة (حرجة)، ووجود (خطوط حمر) بينهما، فإن القمة التي حصلت بين الرئيسين كان من المفترض أن تؤدي إلى التهدئة، والعمل على إدارة عملية التنافس بينهما بطريقة تلطف من الأجواء ولا تزيد الأمور سوءاً.

ولكن ما الذي حصل على أرض الواقع؟

إن ما حصل بدّد التفاؤل الذي كان، وأعاد الأمور إلى سابق عهدها، كما يبدو ذلك بسبب سياسات وحسابات أمريكية لها علاقة بنتائج الانتخابات النصفية الأمريكية الأخيرة، والخوف من أن يؤدي السعي للتهدئة مع الصين إلى استثمار الحزب الجمهوري ذلك في معاركه الداخلية، والإيحاء بأن إدارة بايدن رضخت للضغوط الصينية. هذا سبب والسبب الأكثر أهمية أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة، ومنها إدارة الرئيس بايدن، لا يمكن أن تغيّر جلدها، بل هي تسعى دائماً لخلق التوترات هنا وهناك للمحافظة على تسيدها على العالم، وحتى على منع أن ينافسها أحد في هذا المجال أو غيره. وبالتالي فإن إدارة بايدن تحاول أن تظهر أمام الرأي العام الأمريكي والعالمي بأنها رغم ما اتفق عليه في القمة مع الرئيس الصيني بالتأكيد على نقل العلاقات الأمريكية – الصينية إلى مسار مستقر، وعدم السعي إلى حرب باردة جديدة أو تنشيط التحالفات ضد الصين، فإن واشنطن لن تخضع للصين ولن تتساهل معها.

ولهذا جاء إعلان واشنطن عن حظر المعدات وخدمات الاتصالات التي تقدمها خمس شركات صينية تكنولوجية من بينها هواوي وزد تي إي، وإعادة النظر في التراخيص التي منحتها لاستيراد تكنولوجيا معلومات من الصين باعتبارها (تهدد الأمن القومي الأمريكي) حسب المزاعم الأمريكية. وهذا الأمر يشكل في مضمونه واستهدافاته تنكراً لما اتفق عليه في القمة، وتقويضاً لمسار العلاقات الثنائية المفترض تنفيذه حسب القمة.

جدير بالذكر أن الولايات المتحدة ترى أن الصين تجمع في سياساتها بين التكنولوجيا والمعدات والأهداف العسكرية، وأنها تستخدم تقنياتها من أجل التجسس، ما يجعلها قادرة على معرفة جميع البيانات الأمريكية واستخدامها ضدها.

بطبيعة الحال، سارعت الصين إلى نفي الاتهامات الأمريكية وأكدت أنها لا تمارس التجسس، بل إن واشنطن تمارس القمع ضد الشركات الصينية، وأنها تقارب بشكل غير عادل بل وعدواني، التجارة التنافسية، وأن ممارساتها هذه هي نتيجة ضعف وليست قوة.

الخلاصة.. يبدو أن العلاقات الأمريكية – الصينية لن تتحسن بل ستعود إلى التوتر كما كانت قبل قمة (بالي).

 

العدد 1105 - 01/5/2024