أين قوى الإنقاذ.. ولماذا تتأخر؟ وهل بقي شيء على حاله؟

محمد علي شعبان:

لم تتوقف آثار الأزمة والانقسام الوطني، على السياسة والاقتصاد فقط. لقد أثرت بشكل مباشر على حياة البشر الاقتصادية والثقافية والروحية والمعنوية والنفسية.

لقد شكّلت انزياحاً بالوعي الوطني يرتقي ليصل إلى حدّ الخيانة الوطنية، عند البعض.

وشكلت انزياحاً بالوعي الاجتماعي والأعراف، والعادات والتقاليد، وصولاً إلى حد الخيانة بين الزوجين في العديد من الاماكن نظراً لضيق الحالة الاقتصادية، وصعوبة تأمين مستلزمات العيش الكريم لأعداد لا تحصى في معظم المحافظات السورية.

ولا بدّ من ذكر تردي الحالة النفسية وانعكاس ذلك على الأجيال الشابة، التي انحرفت اهتماماتهم باتجاه الهجرة والاتكالية. وأصبح جزء منهم في حالات يرثى لها، نتيجة المتغيرات السلبية التي أصابت قيمة الليرة السورية، وغلاء المعيشة، والسفر، وغلاء إيجارات السكن لمن يحتاج إلى السكن في المدن البعيدة التي يدرس أو يعمل فيها، وخاصة طلاب الجامعات الذين ازدادت أسعار متطلباتهم مئات المرات، عن حاجاتهم قبل الأزمة!

فقد كان الدفتر بعشر ليرات سورية قبل 2011، وأصبح سعره اليوم عشرة آلاف ليرة سورية.

وهذا ينطبق على جميع الحاجات التي يحتاجها الطلاب..

ومن دون الحديث عن تدني مستوى التعليم في الجامعات، والمدارس، وتفشي الفساد والرشا بها!

كل هذا يقتضي استنفاراً حقيقياً عند الجهات المعنية لمتابعة أحوال البشر وخاصة الأجيال الناشئة..

إلا أننا ما نراه في الواقع هو عكس ما يجب أن يكون..

ودون ذكر التفاصيل المقرفة التي يسلكها بعض الموظفين الموجودين لخدمة المواطنين، في معظم دوائر الدولة، الذين يمارسون الابتزاز والرشوة، والمساومة.

المؤسف أن ليس هناك من يستطيع محاسبتهم، وتوقيفهم عند حدود صلاحياتهم، ما دام رؤساؤهم شركاء لهم!

إن الحال التي وصلنا إليها لا تحتاج إلى قرع جرس الإنذار فقط.

ولا تحتاج إلى الكتابة في الصحف وعلى صفحات التواصل الاجتماعي.

إنما تحتاج شيئاً معاكساً تماماً.

تحتاج إلى الصمت.

قد يسأل أحدكم: لماذا الصمت؟! وما الفائدة منه؟!

أقول: إن المسؤولين في بلادنا منذ أكثر من عشر سنوات، وفي كل يوم يسمعون ويقرؤون عشرات الشكاوى دون أن يفعلوا شيئاً سوى الصمت!!

ويستقبلون المواطنين بالصمت..

يأخذون الرشوة بصمت!

يفسدون بصمت!

يتدخلون بصمت حيث يريدون!!

سلاحهم الصمت.

لعل في الصمت قوة لا نعرفها!

دعونا نكتشف سر الصمت حتى نفرض عليهم أن يتكلموا، ويخرجوا من صمتهم.

ما داموا يمارسون كل الأعمال بصمت ولا يحاسبهم أحد..

فلماذا لا نتصارع معهم على الصمت الذي يعبر عن قوتهم؟!

وننتقل إلى ساحات العمل، لكن بصمت.

نعمل بصمت على امتلاك أدوات الإنتاج، التي اغتصبوها بهدوء وصمت!!

ونعمل على أكثر من اتجاه.

ما هو السر الذي جعل المواطن السوري يغادر مكان إقامته ويتغرب عن أهله طمعاً براتب وظيفة يكفيه لعشرة أيام فقط؟!

سأترك الجواب لكم.

وما هو السر الذي كان خلف إغراق مؤسسات الدولة بأضعاف حاجتها من الموظفين؟! وما الحكمة في ذلك؟!!

وما هو الهدف الذي تحقق بعد إفشال العديد من مؤسسات القطاع العام؟!!

وكيف نجحت بعد أن خُصّصت؟!!

ومن هي الجهات التي كانت تعمل على إفشالها؟!

وهل يحق للمواطن السوري أن يسأل المعنيين وصناع القرار، كي يعرف من هي الجهة التي تتحمل مسؤولية إفشال مؤسسات القطاع العام؟!! وهل تمت محاسبتها، أو أنها ترقت وأصبحت في مناصب اعلى، وأكثر قوة، وتتمتع بصلاحيات أوسع؟!

هل يحق للمواطن أن يسأل المسؤولين وصناع القرار: من هي الجهة التي تقف خلف تردي التعليم بشكل عام!؟

وتسمح بالتغلغل التدريجي لضعاف النفوس ودخولهم إلى قطاع التربية والتعليم، وتعرقل عمل القطاع العام لصالح حفنة قليلة من المعلمين والمدرسين، الذين يستخدمون المدارس للدعاية لمعاهدهم الخاصة، أو لنشاطهم الفردي الخاص؟!!

وهل يحق للمواطن السوري ان يسأل: من هي الجهات المسؤولة عن متابعة هذا الموضوع؟! وما هي الإجراءات التي اتخذت أو ستتخذ بحق أولئك المخالفين؟!

إن التدمير الحاصل للقطاع العام، وخاصة قطاع التربية والتعليم وقطاع الصحة،

والتقصير الملحوظ من عدة جهات رقابية، لا يجوز السكوت عنه.. ولا يجوز التسامح معه، وخاصة أنها تتقاضى أجراً على عملها هذا.

ويعتبر تقصيرها بمثابة الخيانة.

والصمت في هذه الحالات ليس سلاحاً فاعلاً..

لكن القيام بالواجب هو الضمان للجميع وليس الصمت أو الفساد والإفساد.

لقد دفعت سورية ثمناً باهظاً، خلال أكثر من عقد من الزمن.

ولا يجوز السماح لتجار الأزمات وضعاف النفوس التفريط بمقدرات الشعب السوري الذي دفع الدم حفاظاً على وطنه.

ولن يسمح لحفنة من الانتهازيين وتجار الأزمات تدمير مقدراته ومؤسساته الوطنية. ولن يتأخر كثيراً باستعادة ما خسره.

لقد أثبتت الوقائع أن جزءاً كبيراً من السوريين شرفاء ويستحقون أن يعيشوا في وطن عزيز، ولن يفرطوا بحقوقهم.

فهل سيجدون من يساندهم ويقف لجانبهم من صناع القرار الذين مازالت أياديهم نظيفة؟

 

 

العدد 1105 - 01/5/2024