ثلاث قمم.. ورسائل عديدة!

طلال الإمام / السويد:

من غير الممكن النظر إلى زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى السعودية وعقده ثلاث قمم: واحدة مع السعودية، وثانية مع قادة الخليج، وثالثة مع قادة عدد من البلدان العربية (شملت اللقاء بزعماء ثلاثين دولة خليجية وعربية) من دون وضعها في سياق التطورات التي يشهدها العالم، تلك التطورات التي تؤكد بأشكال مختلفة عملية موت سريري لعالم أحادي القطب (تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية)، وولادة عالم آخر متعدد الأقطاب. إن ردود الفعل السلبية من جانب الدوائر الأمريكية على هذه الزيارة أو تلك التي تحاول التقليل من أهميتها ربما تؤكد ان عملية المخاض العالمي تشق طريقها وان بصعوبة.  كما أن الاتفاق على مواقف موحدة حول مجموعة من القضايا المحلية الإقليمية والعالمية خلال هذه الزيارة يشير وبوضوح إلى بداية تململ وتمرد خجول من دول كانت، وربما مازالت بهذا الشكل أو ذاك، تعتبر قاعدة متقدمة لذلك العالم الذي يهيمن عليه قطب واحد. إن التطورات العالمية الجارية: الحرب في أوكرانيا، الملف النووي الإيراني، الوضع في الأراضي الفلسطينية، أزمة الطاقة، وأخيراً الأوضاع المعيشية التي تزداد سوءاً في دول الاتحاد الاوربي ومحاولة الأمريكان تحطيم  اقتصادات أوربا عبر دفعها للانخراط في صراعات عالمية وإقليمية تنهكها، وتؤدي إلى انتعاش الأحزاب اليمينية المتطرفة العنصرية منها أو النازية الجديدة، إضافة إلى التضخم وهبوط قيمة عملتها لصالح الشركات الاحتكارية الامريكية، كل ذلك يؤكد مرة أخرى أن هذه  الزيارة وما نتج عنها ما هي سوى بداية لتحولات أخرى أكبر وأوسع بدأت إرهاصاتها منذ فترة، نقصد: إحياء طريق الحرير، دول البريكس، رابطة الدول المستقلة. إضافة إلى اتفاقية التعاون الاستراتيجي التي وقعت بين الصين وإيران منذ فترة ومدتها 25 عاماً.

ولتأكيد أهمية هذه الزيارة والرسائل التي أرادت الأطراف توجيهها في أكثر من اتجاه، نورد أبرز النقاط التي تم الاتفاق عليها خلال هذه القمم الثلاث:

* اتفق القادة على تعزيز الشراكة الاستراتيجية القائمة بين مجلس التعاون والصين، ودفعها نحو آفاق جديدة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية،

*  دعم معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل في منطقة الخليج،

*  ضرورة أن تقوم العلاقات بين دول الخليج العربية وإيران على مبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، واحترام استقلال الدول وسيادتها وسلامة أراضيها، وحل الخلافات بالطرق السلمية،

*  ضرورة التوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين وفق قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ومبادرة السلام العربية، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967م، وعاصمتها القدس الشرقية. ووقف الاستيطان وكل الإجراءات الأحادية.

*  تكثيف الجهود للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، يحفظ وحدة سوريا وسيادتها بما يتوافق مع قرار مجلس الأمن  الدولي 2254،

* الاتفاق على دعم الجهود الدولية الرامية إلى التهدئة وإيجاد حل سياسي لإنهاء الأزمة في أوكرانيا، وفقاً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، بما يحقق حماية الأرواح والممتلكات، ويحفظ الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.

*   مواصلة تعميق التعاون في مجالات الطاقة والتجارة والاستثمار والمالية والصناعة والتكنولوجيا المتقدمة والفضاء والصحة، بما يحقق المصلحة المشتركة،

* أهمية الدعم المتبادل بما يحقق المصالح المشتركة، حيث تدعم الصين جهود دول المجلس لصيانة سيادتها ووحدة أراضيها والحفاظ على أمنها واستقرارها، وتحقيق التنمية المتكاملة، كما تدعم دول المجلس جهود الصين لتنمية اقتصادها وصيانة سيادتها وسلامة أراضيها، والالتزام بمبدأ الصين الواحدة.

تلك هي أبرز النقاط التي تم الاتفاق عليها، إضافة إلى التأكيد على تعزيز وتطوير التعاون في مجالات التجارة، الصحة، العلوم والتكنولوجيا وغيرها. نعتقد أن الصين وقادة الدول الخليجية والعربية أرادوا عبر هذه القمم توجيه رسائل إلى أكثر من طرف وبشكل خاص الأمريكي، دون ذكره بالاسم.       أرادت الصين توجيه رسالة محتواها أن اتساع نفوذها ليس فقط اقتصادياً وإنما يتسع سياسياً أيضاً، وأنها تتحول إلى رقم في العلاقات الدولية يصعب تجاوزه أو الالتفاف عليه أو إضعافه كما تحاول أمريكا. السعودية ودول الخليج ربما أرادت التعبير عن التململ من الهيمنة الأمريكية بصيغة الكاوبوي، وإبراز وجهها المستقل في ضوء ولادة عالم متعدد الأقطاب، بمعنى أنها تحاول استغلال اللحظة التاريخية في انتقال العالم نحو عالم متعدد الأطراف. الدول العربية من جهتها تسعى إلى كسب الصين كقوة عالمية إلى جانبها لتحقيق طموحاتها، سواء في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي أو حل الأزمة في سورية، واليمن وغيرها.

رسائل كثيرة ومتنوعة وجهتها القمم الثلاث التي عقدت بين الصين من جهة والسعودية، ودول الخليج العربي، وعدد من البلدان العربية، وإلى أكثر من اتجاه. الأمنية أن تستفيد هذه البلدان من تجربة الصين الناجحة في تحولها إلى قوة اقتصادية صعب تجاوزها في هذا العالم الذي يعاني من مختلف أشكال الحروب والنزاعات الكبيرة منها والصغيرة يدفع أثمانها الأبرياء. الاستفادة من تجربة حققت قفزات لشعبها في جميع المجالات.

فهل تفعل ذلك؟

العدد 1105 - 01/5/2024