خاطرة سريعة حول التعليم العالي

يونس صالح:

على الرغم من تعدد الرؤى والمداخل التي ينظر بها إلى دور التعليم العالي والجامعي، فإنها جميعها تتفق على أن جامعاتنا تعيش في دوامة من المشاكل الكثيرة، تجعلها قاصرة عن أداء دورها كما تؤديه الجامعات الغربية، ولكن يجب علينا أن نتفق أيضاً على أن إشكاليات الجامعات ومشكلاتها عندنا، إنما هي انعكاس لإشكاليات المجتمع بشكل عام، وأن قضاياها تحتل مكانة مهمة ليس فقط لدى صنّاع السياسات ومتّخذي القرارات أو المفكرين والمثقفين، بل داخل كل أسرة.

ولما كان من الضروري إيلاء الاهتمام بقضايا التعليم العالي والجامعي عندنا، فمن اللازم أيضاً أن تُفتح الملفّات المتعلقة به، والتي تحتوي على الكثير من المشاكل التي لم تجد طريقها إلى الحل، بيد أنني سأكتفي بالتركيز على مسألة البحث العلمي عندنا، الذي يتحدث عن أهميته باستمرار الخطاب الرسمي والسياسي، وعن دوره في التنمية، لكن الخطاب يبقى خطاباً، وعلى أرض الواقع لا يوجد شيء فاعل. إننا وبقليل من التمعن نجد أن مجتمعنا مازال حتى الآن يتهيّب الخوض في البحث العلمي على كل الأصعدة، وما زلنا ننتظر نتائج الأبحاث العلمية التي يجريها الآخرون لنأخذها حقائق لا تقبل الجدل، وأسباب تهيّبنا كثيرة، منها ما يتعلق بعدم الثقة بالنفس، ومنها ما يتعلق بالروتين، وضعف الإمكانيات، ومنها أشياء تتعلق بالجوانب الاجتماعية والسياسية وبالتخلف وغيرها.

ولكن إذا ركزنا على ناحية واحدة فقط، هي نظام الامتحانات في الجامعات، نرى مقدار بُعد هذه الجامعات عن مكونات البحث العلمي. يكتفي هذا النظام غالباً بامتحان ذاكرة الطالب ومقدرته على الحفظ عن ظهر قلب كما يقال، أي أن الأسئلة التي تعطى للطالب لا تمتحن مقدرته على المحاكمة العقلية، ولا تحرضه على تكوين بصمة مميزة لنفسه وشخصية مستقلة، نحن مع معلم وطالب مقولبين بإطار تعليمي محدد هدفه تخريج أعداد متزايدة من حملة الشهادات الجامعية، لا حاملي أفق البحث العلمي، وبالتالي فإن الذين يحملون أفق البحث العلمي من الطرفين، الخرّيج والمعلم، لا يجدون إلا الهجرة للخارج، حيث تتاح لهم الإمكانيات وحرية البحث العلمي. ومعروفة الخسائر الفادحة التي تتعرض لها البلاد بسبب نزيف عقولها، ويستمر سؤالنا المعبر في حيرتنا عن الأسباب! لقد أصبح من غير المقبول أن تبقى جامعاتنا أماكن تؤدى فيها وظائف رسمية لا أكثر، في الوقت الذي تأكدت فيه بشكل قاطع أهمية الجامعات في عمليات التنمية والتقدم والتطور.

 

العدد 1104 - 24/4/2024