لي كامل الحقِّ في شكلي.. وجسدي

إيناس ونوس:

تعرَّضت الفتيات والنِّساء لأوجهٍ مختلفةٍ من العنف على مرِّ العصور، ولمَّا تزل المرأة تعاني حتى يومنا هذا بالرَّغم من كلِّ المحاولات لإلغاء كل أشكال التَّعنيف أو التَّمييز الواقعين عليها. وكما هي الحال في مختلف أمور الحياة، هناك صورٌ للعنف تعتبر أوضح من غيرها، لما لها من آثار ملموسة نفسياً وجسدياً كالضَّرب أو غيره، كما يوجد أيضاً نوعٌ من العنف المُستتر الذي لا تظهر آثاره للعيان، وإنَّما تبقى مُخزَّنة في اللَّاوعي وترافق المعنَّفة طيلة حياتها.

يعتبر تحكُّم الأهل أو الزَّوج بالشَّكل الخارجي للأنثى (فتاة أو امرأة) أحد صور العنف غير المعلن، وهو يلقى الدَّعم والتَّأييد من المحيط بذرائع متنوعة أهمَها أنَّ المتحكِّم يريد رؤية أنثاه في قمَّة الجمال وفقاً للصُّورة التي يرسمها هو، مدعوماً من الآخرين في أنَّه يمتلك كلَّ الأحقِّية في هذا الشَّأن، دون أن يدرك أيٌّ من المتحكِّم أو المؤيّدين له كيف تريد تلك الأنثى لشكلها الخارجي أو جسدها أن يكون.

فعندما يشترط الزَّوج على زوجته أن تحافظ على وزنٍ معيَّنٍ يرغب هو به ويعجبه، ويجعلها دائمة القلق من زيادة وزنها أو نقصانه، فإنِّه يتعامل معها بعنف صامت.

وعندما يتحكَّم الأهل بطول شعر ابنتهم ولونه وتسريحته، أو حين يجبر الزَّوج زوجته على أن تتعامل مع شعرها بالشَّكل الذي يريده، ويفرضون عليها شكلاً أو طولاً محدداً أو لوناً ما، فإنَّهم يعنِّفونها وبصمت أيضاً.

وحينما يفرضون نمطاً مُحدَّداً من اللِّباس يرون فيه الحشمة التي تبعد العيون عن المرأة أو الفتاة مختبئين خلف تعاليم دينيةٍ معيَّنةٍ، فإنَّهم يعنِّفونها أشدَّ تعنيف، لأنَّهم بهذه الحالة يتَّهمونها بأنَّها السَّبب الذي يجعل الرِّجال أو الشُّبّان ينظرون إليها بعيونٍ ملأى بالشَّهوة والغرائز الحيوانية، فيجرِّمونها على أمرٍ لا علاقة لها به أساساً.. وفي الوقت ذاته، حينما يسايرون رغبتها في التَّعرِّي وارتداء لباسٍ ما قد لا يتناسب لا مع مقوِّماتها الجسدية، وربَّما أيضاً لا يتوافق مع عمرها، أو حينما يساهمون هم بدفعها لارتداء هذا النَّوع من اللِّباس بذريعة مواكبة الموضة أو تطبيقاً لمبدأ (خالِف تُعرَف)، أو أنَّهم ينظرون إلى الأمر على أنَّه حريةٌ شخصيةٌ بحتةٌ لا يحقُّ للآخرين التَّدخُّل فيها، فإنَّهم أيضاً يسقطون عليها شكلاً آخر من أشكال العنف، ذلك أنَّهم يستخدمونها أداةً لتلبية أفكارٍ تبنّوها وحدهم دون تفكيرٍ بحقِّها في اختيار ما تريده، وما عليها إلَّا الانصياع لهم ولرغباتهم، أو أنَّهم يتعاملون معها بإهمالٍ وكأنَّ الأمر لا يعنيها، وفي كلتا الحالتين سواء التَّشدُّد أو الإهمال فإنَّ العنف قائمٌ.

تفاصيل قد نراها بسيطةً جداً، وقد يقول قائلٌ: أهذا موضوعٌ يستحقُّ النِّقاش؟ وربَّما يخرج علينا آخر ليقول: احترنا معكم ماذا تريدون؟!

نعم، إنَّها تفاصيل في غاية الصِّغر، إلَّا أنَّ آثارها النَّفسية كبيرةٌ بما لا يقاس، لأنها تجعل القلق يرافق الشَّخصية على الدَّوام ممَّا قد يجعله ينعكس على باقي المفاصل الأخرى لتلك الشَّخصية، إضافةً إلى أنَّها تكبر ولديها شعورٌ دائمٌ بالنَّقص وعدم الثِّقة بالنَّفس، فقط لأنَّها لم تحُز على موافقة المسؤولين عنها ودعمهم وموافقتهم على ما ترغب فيه، أو لأنَّها لاقت الإهمال ممَّن يجب عليهم الاهتمام، ما يدفعها لأن تبحث عنه لاحقاً وغالب الأحيان ستبحث في المكان الخطأ.

أوليس الجسد ملكيةً خاصَّةً؟

أوليس من حقِّ كلِّ أنثى أن تتعامل مع شكلها وجسدها وتتماهى معهما بالطَّريقة التي تراها متناسبةً مع شخصيِّتها؟

بكلِّ تأكيدٍ إنَّ لرأي الآخر أهميةً داعمة، لكن من الضَّرورة القصوى أيضاً أن يبقى في إطار إبداء الرَّأي لا أن يتحوَّل إلى فرضٍ وإكراه، أو إهمالٍ متعمَّد، وألَّا يتحوَّل إلى نوعٍ من أنواع العقاب إن لم تمتثل صاحبة العلاقة له، إضافةً إلى أهمية منح صاحبة العلاقة حقَّ إبداء رأيها والدِّفاع عنه، حتى لو كانت النَّتيجة غير مرضيةٍ لكلا الطَّرفين، فمعالجة نتائج هذه الأمور تعدُّ من أسهل ما يمكن إن تعرَّض الشَّعر للتَّخريب أو إن زاد الوزن في فترةٍ ما أو نقص على سبيل المثال، فشرف المحاولة يكفي، وستكون نتيجته هي الفصل الذي سيقتلع جذور مشاكلَ أكثر حساسيةً أساسها هذا الشَّكل المبطَّن من أشكال العنف وفرض السَّيطرة.

العدد 1104 - 24/4/2024