حلقة تكاذب

د. أحمد ديركي:

يعجّ العالم البشري بأنواع مختلفة من التكاذب، مع العمل على تعميم فكرة أن الكذب عمل منافٍ للأخلاق. إلا أن التكاذب والكذب ما زال ممارسة مستمرة في المجتمعات البشرية بغض النظر عن مستويات تطورها.

الغريب في أمر التكاذب أن يصدر من مؤسسات دولية مرموقة تدّعي المصداقية.

من آخر ابتداعات الأمور، متابعة تعداد سكان الكرة الأرضية. وأخيراً أصدرت الامم المتحدة أن تعداد سكان الكرة الأرضية قد وصل للمرة للأولى إلى 8 مليارات نسمة. يا لهول الرقم!

هنا بدأت الامور تظهر وكأن نيزكاً فضائياً أكبر من الكرة الأرضية قد ضرب الأرض، وأن البشرية جمعاء مهددة بالانقراض. نيزك المجاعة القادم من الفضاء سوف يقضي على الجنس البشري إن استمر البشر بالتكاثر. فالأرض لا تتسع لهذا العدد من السكان بكونهم مستهلكون فوق الحد لكل مصادر الأرض الطبيعية، من ماء وغذاء، وصولاً إلى الهواء.

إلا أن الحقيقة منافية لكل ما يدّعيه هذا النيزك السكاني. فالأرض تتسع لأكثر بكثير من هذا الرقم ويمكنها أن تكفي أضعاف أضعاف هذا الرقم. لكن المشكلة الجوهرية المخفية هي في مسألة التوزع السكاني واحتكار الغذاء من قبل ملاكي الأراضي الساعين إلى تحقيق المزيد من الأرباح المتحققة من المحاصيل الأكثر ربحية غير آبهين بمسألة الأمن الغذائي العالمي.

حقيقة لا يريد أحد التحدث عنها لأنها تضر بمصالح أصحاب الملايين والمليارات والأنظمة السياسية الحامية لأرباحهم. فتعمل كل أجهزة الدولة والمؤسسات الدولية والمنظمات الدولية على تشويه الحقيقة وإظهار وكأن التعدد السكاني المتزايد يمثل خطراً على الجنس البشري لا مسألة احتكارات الشركات الكبرى وأصحاب الأراضي الزراعية الشاسعة الساعين لمزيد من الأرباح.

وتدور حلقة التكاذب وصياغتها في أروقة المنظمات الدولية لتجد مخرجاً مقنعاً لها وتدعمها الأنظمة السياسية، فتخرج الأكاذيب وكأنها أقوال صادقة مختومة بمهر المؤسسات الدولية التي لا تعرف الكذب!

العدد 1105 - 01/5/2024