مَن يخلق فرص العمل.. وكيف؟

ديانا رسوق:

في ظل تنامي الهجرة إلى الخارج خاصة لدى الشباب، أصبحت هذه المسألة تشكّل أرقاً، لا للحكومة والقطاع المنتج فقط، بل همّاً اجتماعياً ووطنياً ستتحمل البلاد والشعب تداعياته القاسية. ولا يخفى على أحد أنه، إضافة إلى العامل الأمني واستمرار الأعمال العسكرية، يبرز عامل لا يقلّ أهمية عنه وهو ركود الاقتصاد السوري، وبالتالي غياب فرص العمل، ونعتقد أن الحل النهائي لهذا الهمّ الوطني الكبير هو نجاح الحلول السياسية للأزمة السورية، لتحقيق الاستقرار الأبرز وهو إنهاض الاقتصاد السوري وإعادة الإعمار.

قبل عام ٢٠١١ كانت نسبة البطالة لدينا لا تتجاوز ١٧%، وكانت الزراعة هي النشاط الأبرز، ويشارك فيه نحو ٤٥ % من عدد السكان، وكانت الصناعة تساهم بنحو 12% من الناتج المحلي الإجمالي، وقد وضعت الخطة الخمسية هدفاً هو الوصول إلى حدّ أقل من 6% من البطالة، وكان التوجّه نحو زيادة الاستثمارات في قطاع الدولة، وفي القطاع الخاص المنتج، وفتحت أمام البلاد آفاق لتحسين الوضع الاجتماعي.

ما الذي حصل بعد ذلك؟

دخلت سورية سنوات الحرب، بعد محاولة الغزو الإرهابي التي لم تكتف بمجازرها الدموية وما أسالته من دماء السوريين، بل لجأت إلى تدمير منظم ومدعوم من الخارج لهدم القطاعات السورية المنتجة وحرقها وسرقتها، من مصانع ومعامل وورش ومناطق صناعية، وحوّلت الأراضي الزراعية إلى خراب، وهجّرت المواطنين السوريين قسراً من ديارهم، مما أدى إلى تراجع مؤشرات الاقتصاد السوري الذي يعتمد على الزراعة والصناعة والسياحة، وخسارة مئات آلاف المواطنين لفرص عملهم، واضطرارهم فيما بعد إلى الهجرة للخارج، وحسب التقديرات فإن الخسارات الناتجة عن الغزو الإرهابي تقدر بنحو ٦٠٠ مليار دولار.

 

كيف نخلق فرص العمل من جديد ونلجم عملية هجرة الشباب السوريين لعدم حصولهم على فرص العمل؟؟

من المعلوم أن خلق فرص العمل يحتاج إلى استثمارات سواء تعلق الأمر باستثمارات خاصة أو استثمارات حكومية، فأي مشروع زراعي أو صناعي أو سياحي جديد يوفر عدداً من فرص العمل لطالبيها وبكلمة أخرى لا يمكن توفير فرص العمل دون استثمارات.

قبل الأزمة وفي عام ٢٠١٠ كان متوسط تكلفة فرصة العمل الواحدة نحو مليون ليرة سورية بأسعار القطع الاجنبي حينذاك، أما اليوم ومع تراجع قيمة الليرة السورية فإن فرصة العمل الواحدة تكلف أضعاف هذا المبلغ.

هذا يعني أن المطلوب، اليوم، مزيدٌ من الاستثمارات في القطاعين العام والخاص لإنشاء مشاريع تؤدي إلى توفير فرص العمل، في ظل وضع اقتصادي راكد ويفتقد إلى الاستثمارات من الطرفين.

صحيح أن قوانين التحفيز والاستثمارات قد صدرت لتشجيع المستثمرين على الاستثمار في سورية، لكن هذا لا يكفي. القوانين هي جانب من جوانب التحفيز، أما الجوانب الأخرى فتتمثل في بيئة الاستقرار والأمن والقضاء النزيه، وأخيراً القدرة الشرائية المرتفعة للمواطنين السوريين لاستهلاك منتجات هذه المشاريع، ونحن نعتقد أن القوانين وحدها لن تكون عاملاً حاسماً جاذباً للمستثمرين الوطنيين والأجانب.

 

تأثيرات فقدان فرص العمل على الصعيد الاجتماعي

– يدخل سوق العمل سنوياً ١٥٠ ألف شاب (طالب عمل) في جميع الاختصاصات، فالمهمة الأساسية للحكومات هي السعي بجدية لخلق أكبر عدد من الفرص لاستيعاب طالبي فرص العمل.

وهذا سينعكس بهذا الشكل أو ذاك على الوضع الاجتماعي للمواطنين السوريين.

إن حصول طالب العمل على فرصة العمل تعني، باختصار شديد، استقلاله الاقتصادي والاجتماعي وقدرته على تأمين مستقبل أفضل، تعني بقاءه في بلاده وعدم التفكير بالهجرة، واستعداده لتكوين عائلة، ولنتخيل بعد ذلك السيناريو المعاكس في حال عدم توفر فرص العمل ولنطلق العنان لخيالنا إلى ماذا سيؤدي؟ المشهد أصبح واضحاً والجميع يلمسونه لمس اليد.

والمطلوب اليوم جدية عمل الحكومات في توفير البيئة الآمنة والمستقرة الجاذبة للاستثمارات، ونرى أن المساهمة الفعلية والمخلصة في حل الأزمة السورية سياسياً هي العامل الأبرز في توفير هذه البيئة، هذا من جانب، أما من جانب آخر فالقوانين وحدها لا تكفي، ويجب علينا القضاء على الفساد وتحسين القدرة الشرائية للمواطن السوري ومساعدة المستثمرين في تصدير منتجاتهم، بذلك نضمن المتطلبات الرئيسية لإنهاض اقتصادنا الوطني الذي سينعكس على جميع مواطني سورية عملاً ورفاهاً.

العدد 1105 - 01/5/2024